تنزلون؟ أترون حولكم من أحبار اليهود وقساوسة المسيحية؟. وهل؟. وهل؟ ..
كان كل سؤال موجهاً للشيخ (بن باديس) خاصة، فكان الأستاذ (بلقاضي) هو الذي يرد عنه بجدارة المحامي المتمرن على أسلوب الدفاع.
لم أكن في الحقيقة مدركاً لجوهر الموقف تمام الإدراك، وعندما أدركت بعد مرور السنوات، فهمت أن مفهوم الإصلاح لا يعني شيئاً واحداً في عقل تمرن في المنطق (الكارتزياني)، وفي عقل كونه علم الكلام.
فلما رجعت إلى (دروكس) تلقتني زوجي:
- يا صدّيق إنني سأخبرك بشيء لا يسرك ...
لاشك أن الإصبع الذي يضغط على زر آلة الكترونية، يحدث في كل أجهزتها حركات دقيقة، كذلك حرّكت كلمات (خديجة) في عقلي تياراً من الاحتمالات المشؤومة، بينما أتلقى من يدها ورقة بعنوان مدرستي.
إنه مر على ذلك الحين أكثر من ثلاثين سنة، ولكنني ما زلت أتذكر ما قرأت في الخطاب كأنني أقرأه اليوم: (( ... إن سكرتارية المدرسة الخاصة للمكانيك والكهرباء، تخطركم بأنكم لم تستوفوا شروط الامتحان في بعض المواد ... ))
قرأت هذا، ولا أدري إذا كان المحتوى قد هالني في رجاء خاب بطريقة غير متوقعة، أم مسّني أكثر بمعناه الأخلاقي؟ ..
كنت أقدس العلم لأنني أؤمن بقيمته الأخلاقية، وكانت تلك القيمة مشخصة في نظري، في المدير (سودرية)، فقد كان تقديسي العلم ينعكس على شخصه، فانهار في لحظة إيماني بالعلم والعلماء ذلك اليوم.
ولكن الأحداث التي توالت في تلك الفترة كانت على نحو جعل كل فاجعة