جنبيّ، فأخذ منه (حمودة) نسخة نسخها بيده، ليقرأها على الطلبة بالحي اللاتيني، خاصة منهم الذين على مشرب (فرحات عباس)، ثم أرسلت نسخة إلى (الأمين العمودي) للنشر في جريدته.
وأصبحنا ننتظر أعدادها، فوصل منها الأول والثالث دون أن تنشر المقالة. كأنني رشقت حربتي في الضباب.
لماذا لم ينشر (الأمين العمودي) مقالي؟
تركت الجواب على هذا السؤال للأيام، بينما بدأت السنة الدراسية تأخذ منعطف الامتحانات، ولم يبق لي أي مجال للحديث مع (حمودة بن الساعي)، ولا لزيارة الهجار مساء السبت.
ربما كنا في أواخر شهر أيار (مايو)، وكانت زوجي توقظني في الصباح بعد أن تهيئ القهوة، لأنني أواصل العمل في الليل إلى ساعات متأخرات.
ولكنني استيقظت وحدي ذلك اليوم مبكراً، بينما لم تكن أشعة النهار بدأت تضيء الغرفة إلا قليلاً من نافذتها المستديرة أو (عين البقرة) كما يقولون، المشرفة على فناء العمارة؛ إذ من المعلوم أن أول من يستيقظ بباريس عصافيرها، المعشعشة على حافة أسقفها تحت مجاري الأمطار وتكون أعشاشها بعد تناسل الربيع ممتلئة بالسكان، خاصة في هذا الركن الهادئ فقد بقيت الشوارع محافظة على طابع عتيق، وبقيت الحياة تجري على نسق يطيب للمتجول الباحث عن السكون والعزلة.
إن عصفور باريس هو ديكها الذي يعلن بزوغ الفجر على سطحها، فعندما فتحت عينيّ سمعت ذلك العيد اليومي، تدخل وشوشته إلى الغرفة من النافذة مع أشعة النهار الضئيلة .. وها هي ذي الهرة (لويزة) ترفع جانباً من الغطاء ويظهر رأسها على الوسادة بيني وبين زوجي، ثم شرعت بكل تأن ودقة في قرقرتها.