ويده تلوح بجريدة (اتحادية النواب)، فاطلعت على المقال المتهم؛ قطعاً لم تهزني بعد قضية دار (البا) قبل خمس سنوات، صدمة مثل التي هزتني ذلك اليوم، منذ قرأت عنوان المقال (أنا فرنسا) ورأيت اسم صاحبه (فرحات عباس).

ولا شك أن الصدمة كانت كبيرة في الوطن، حسب الأنباء التي تواردت علينا، فرد الشيخ (عبد الحميد بن باديس) على (الزعيم) في مجلة (الشهاب)، رداً لم يسكن ثورة (علي بن أحمد)، ولم يشبع انتظارنا، فاتفق الرأي أثناء ندوة خاطفة انعقدت ببيتي، على أن أحرر باللغة الفرنسية رداً في جريدة الأمين العمودي (الدفاع).

ولأول مرة في حياتي، واجهت عملية توليد الفعل في مقالة اخترت لها عنواناً (مثقفون أم مُثيقِفون؟) نحت فيه المفردة الثانية، في لحظة سانحة، حربةً أرشقها بكل جهدي في كبرياء وبلادة (الزعيم) معاً، لأنني كنت على وعي تام، مع (حمودة بن الساعي) بالمهزلة التي بدأت في الجزائر، ومن الاختلاس الكبير الذي بدأت خيوطه تظهر على مسرحنا السياسي منذ ظهرت عليه (اتحادية النواب)، كما كنت أدرك أن الصراع لم يكن صراع أفكار، وإنما صراع مصالح تشرف عليه السلطات العليا، متظاهرة بمقاومته أحياناً، عندما تعلن غضبها على هذا (العدو لفرنسا) أو ذاك، حتى يرى الشعب المغرور في تلك (العداوات) بطولات توجب عليه السمع والطاعة لأصحابها.

كانت هذه حالتي النفسية أثناء تحرير المقال، عندما انتهيت منه في الليلة نفسها، وأيقظت زوجي لأقرأه عليها، قالت:

- لا أعتقد أنه من تحريرك، بل أراه من وحي السماء.

فعلاً لا زلت أتذكر إلى اليوم، أنني صببت في سطوره الجحيم الذي كان بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015