هو أن المكان عندما تغلق نافذته الصغيرة يصبح صندوق صدى تدوي فيه حتى قطرة الندى، ويستطيع المرء أن يتتبع كل ما يقال في غرفتنا، فقررت أن تفتح تلك النافذة كلما أتانا زائر، فتأكدت هكذا من الأمر الثاني، وهو أن العجوز استمرت في مهمتها، فتأتي إلى المرحاض وتفتح النافذة التي أغلقتها زوجي، ثم تنساها مفتوحة عند ذهاب زائرنا.

إذن لم يبق مجال للشك أن المكان كان مرصداً لا يخلو من أهمية، إذا عقدنا الصلة بين الزيارات الخاصة التي تحظى بها تلك العجوز من طرف شخصيات دينية تتردد على غرفتها البسيطة، وبين ما كان يدور في الجو العام في تلك الفترة، لقد أصبح أسقف باريس يحرك الرأي العام تجاه المسلمين متهماً إياهم بالتواطؤ مع النازية، بحكم منطق استعماري يتهم الإسلام بالتعكير كلما تعكر الجو الدولي بسبب قضية أو أخرى.

لم يكن الأمر غريباً عن هذا المنطق تجاهي، بسبب السوابق وما تمليه الظروف الجديدة.

واستمرت عجلة الأيام تدور كعادتها، وجاء عيد الميلاد واحتفل الناس برأس السنة كالأعوام الأخرى. وعبر فرانكو نهر (الروبيكون (?)) أعني مضيق جبل طارق على رأس الطابور الريفي، وأسدل الستار على مأساة الحبشة، وارتاح الضمير الأوربي من صرخات (النجاشي)، ولم يبق على وجه الخريطة شبر أرض غير ملون بأحد ألوان السيطرة الأوربية. واحتارت الباريسيات القائمات بشؤون منزلهن في أمر رئيس الحكومة (لافال)، هل يباركن في حياته مثل زوجي بسبب سياسته الاقتصادية التي أرخصت المعيشة، حتى أصبحت تشتري زجاجة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015