الدور الأخير مداخن هذا الحناح من العمارة تجتمع كلها في هذا الدور داخل حائط غرفتنا، التي أصبحت تتمتع هكذا بتدفئة كافية دون أي تكليف.

فوجدت هرتنا (لويزة) في هذا الجو كل ما يناسبها هرة سعيدة، ووجدت الوسط الذي أستطيع فيه العمل إلى ساعات متأخرة ليلاً وبدأت السنة.

واستأنفت حلقات التدارس مع (حمودة بن الساعي) فكان يأتي صديقي كل مساء جمعة وحده أو مع أخيه (صالح)، لتناول الطعام معنا، وقد نوّعته زوجي بشيء جديد هو رأس الخروف، ولأن الباريسيين لا يحسنون طهيه الخاص فقد جعلوه في السوق يباع بأبخس الأثمان، فتفضله خديجة لهذا السبب أو لأنها أصبحت ماهرة في طهيه منذ أقامت بالجزائر، وحالما تبعد زوجي أواني الأكل تصبح الغرفة وكأنها أعدت للعمل الفكري فقط، فيخرج صديقي قصاصات جرائد خاصة بأمور تهم، أو قصاصات ورق مكتوبة بخط ناعم لا يقرؤه إلا هو، وتبدأ مداولات تلك الحلقة.

ولم أكن أتصور إلى أي حد كانت هذه المداولات، وأحاديثي مع كل من يزورني على العموم تهم غيرنا، أعني السلطات العليا القائمة برعاية الطلبة الجزائريين بباريس.

وستكشف لي هذا الاهتمام ملاحظتان، لاحظتهما زوجي في مدة وجيزة بعدما سكنا غرفتنا، فقد كنا بحكم الظروف نتناول ماءنا مع سكان الدور من حنفية واحدة، ونستعمل مرحاضاً واحداً مشتركاً ملاصقاً لغرفتنا بالذات.

فلاحظت زوجي أن امرأة عجوزاً من سكان هذه الدور، تأتي إلى المرحاض، كلما حضر إلينا صديقي (حمودة بن الساعي) أو غيره من الزوار، فنشأ عندها تساؤل عن سبب تردد العجوز على المرحاض في المناسبات نفسها، وقامت بتحقيق سريع عن طبيعة المكان من الناحية السماعية، فتأكدت من أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015