وخرجت، ونفسي تردد الترجيع في خطوة، وفي أخرى ((إن الرجل صنيعة))، لأن الجانب الشيطاني قد اتضح في الأمر: إن الاستعمار يستطيع أن يتمسك في بعض الحالات بمظاهر المشروعية، لأن خونة من بين العرب ومن بين المسلمين يتولون الأمر، للقيام بالدور الذي لا تسمح له به كبرياؤه في تلك الحالات.

وستأتي عشرات الأعوام لتأكيد هذه الحقيقة المؤلمة بين الحقائق التي كشفتها لي الأيام.

فخرجت من مكتب القنصل، وعندما صرت على الرصيف التفتّ ورائي لأقرأ على باب السفارة هذه اللافتة: سفارة المملكة المصرية ...

يا لها من خدعة! .. انخدعت بها أيام كنت مع (فريد زين الدين) عضواً بالجمعية (السرية) التي تعمل من أجل (الوحدة العربية)، وبقيت أشعر بوخز الخدعة في نفسي ذلك اليوم كأنها من سخرية شيطان مُسَخَّر للعبث بأغلى ما تكنّه النفوس وتنطوي عليه الضمائر، خاصة أن الصدفة جعلتني ألتقي بالحي اللاتيني قبل بضعة أيام، بشاب يهودي نازح من أوربا الشرقية، تخرج من مدرستي واستقر منذ سنة مهندساً بمصر بتأشيرة قنصلها.

يا لها من خدعة!. جعلتني أمشي على الرصيف كالثمل، بينما أفكاري السياسية تدور في عقلي كأنها اعترتها نوبة دوار.

ولكن عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ... وكأنما الصدمة تسدل الستار على برنامج طالما فكرت في كل تفاصيله، وتزيحه عن أمر جديد أو مجدد في ذهني:

- نعم، إذن ما عليَّ إلا أن أتم سنتي الأخيرة في المدرسة ...

فتوجهت نحو البريد لأبرق لزوجي بأن تحضّر نفسها، وأنا أردد هذه الفكرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015