ولكن القاعة بدأت تفرغ حولي، وإذا بالساعي يناديني، فتنفست الصعداء فدخلت مكتباً متسع الأرجاء عميق الأغوار.

إن مركبي الأفلام يعرفون استغلال هذه الظاهرة، في بعض مقاطع تركيبهم عندما يضعون بين زائر يدخل مكتباً ومن يستقبله فيه أكبر بعد ممكن، حتى تزيد كل خطوة من خطوات الزائر في التفاعل بين الشخصيتين، وترتفع بقدر ذلك درجة التأثير المسرحي في المقطع، خاصة إذا كان الزائر يشعر، أو من يقوم بدوره يشعر، أنه يسير في تلك الخطوات إلى مصيره.

كان يستقبلني يومئذ قنصل مصر بباريس، وعندها وصلت وجدت الجوازين أمامه على مكتبه:

- أتريد أن تسافر إلى مصر؟

شعرت بخبث السؤال، لأن نظرتي في وجه القنصل لم تكن مريحة، فأجبت:

- إنني، إن شاء الله، مسافر إلى الحجاز كما ذكرت ذلك في الاستمارات ..

- إنك إذن تستطيع الحجز على باخرة تذهب مباشرة إلى جدة دون أي حاجة إلى تأشيرة إلى مصر.

- نعم سيدي كان ذلك أجدى، ولكن شركة (كوك) للأسفار أخبرتني أن المواصلات المباشرة مفقودة بين مرسيليا وجدة، وأشار علي موظفها بأنني سأجد بميناء السويس الباخرة التي تنقلني إلى ميناء الحجاز، فتوسمت في الرجل طبيعة ساذجة تجعله يتنعم بألم الآخرين، ولا يتراجع عن شر قدّره أو أُمر بتنفيذه، حتى كان من العبث أن يحاول المرء إيقاظ ضميره.

فارتجت الأرض تحت أقدامي، فحوقلت، ورجعت وأخذت الجوازات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015