- آلو ... آلو ... قسنطينة ... هل رأى أحد الهلال ... آلو ... الجزائر ...
هل ...
بينما تقضي البنت المكلفة بالهاتف بمصلحة البريد مع زميلاتها الأوربيات، أوقات تسلية على حساب صفاء المكالمة وأعصاب الشيخ الذي يصرخ:
- آلو ... آلو ... إنني لا أسمع شيئاً ...
بينما ينتظر الناس أمام المخزن التقرير الذي يعلن الصوم أو الإفطار، فتطلق الحكومة من طرفها التعليمات التي يكون أثرها في الغد تقسيم الأمة إلى شطرين من مفطرين وصائمين.
أشبعت تبسة كل رغباتي البسيطة بين مخزن سي (الصادق بو ذراع) ومقهى (باهي)، وفسحاتي الليلية إلى وادي (الناقوس)، أشبعتها إلى حد السآمة، ولم يبق لي فيها وطر. فودعت الأهل والأصدقاء.
...
لم تكن الطائرة وسيلة النقل العادية بين الجزائر وفرنسا، فكان وصولي صباحاً إلى مرسيليا على متن باخرة يجعلني أقضي فيها النهار، وكان ذلك اليوم إجازة للمشكلات، لأن السفر يعلق التفكير فيها ويؤجله إلى حين، فقد كنت أشعر عندما أنتقل من مكان إلى آخر أنني حر ريثما أصل. كنت هكذا كلما وصلت إلى مرسيليا، أشعر أنني حر من المشكلات، حر من الذهاب في تقليبها يميناً ويساراً، حر من البحث عن حلولها عبثاً.
كان ذلك اليوم يوماً سعيداً لأنه يخلصني مؤقتاً من مسؤولياتي، ويخلصني أيضاً من ذلك الحائط المعنوي الذي يفصل في الجزائر بين منطقتي وجود تنتهي على حدودها عادات وتقاليد الطرفين، فلا ينظر أحد من نافذته إلى الطرف الثاني إلا بالريبة والتشكيك، كما تنظر مدام (دوننسان) من دكانها إلى حياتنا العادية وغير العادية بمدينة تبسة.