وبدأت أتعرف في المدينة على وجه جديد، كان الدكتر (خالدي) طالباً في نهاية المرحلة الثانوية، يقضي عطلة الصيف عند أهله قبل أن يلتحق بجامعة (تولوز).

ويبدو أنما أحد أساتذته بثانوية عنابة، أثرّ عليه بتوجيهات يسارية، ربما كانت تمهد لتأسيس الحزب الشيوعي الجزائري الذي سيتم بعد سنة، بعد مؤتمر (فيلوربان) للحزب الشيوعي الفرنسي، فما كان من الغريب أن يصدر إذن من باريس مثل تلك التوجيهات.

ولكن المجتمع الجزائري كان في تلك الحقبة يتمتع بحصانته، متيقظاً على واجباته في المجال الإيديولوجي، يدافع في تقاليده، فاتصل بي صديقي النجار (سي مكي محمد)، وحدثني بشأن (خالدي) أثناء فسحة ليلية في اتجاه وادي (الناقوس):

- إن (خالدي) في ذمتنا يا سي (الصدّيق)، لا يجوز لنا أن نسلم مثقفاً إلى التيارات الفكرية التي لا تتفق مع فكرتنا ومع شخصيتنا ومع تاريخنا.

فتقرر أن نضيف (خالدي) إلى قائمة الشبان الذي يجب إنقاذهم من التيه الفكري، ونظراً لتكوينه وحرصه على الاطلاع والمطالعات، رأيت أن يكون المنقذ (نيتشه).

ومن الغد في لقاء اتفقنا أو تآمرنا عليه، قدمت خالدي نسخة من كتب الفيلسوف الألماني، أظنها نسخة من كتاب (هكذا تكلم زرادشت).

ورجعت هكذا نعجة تائهة، ردها نيتشه إلى القطيع الإصلاحي الذي يرعاه الشيخ (العربي التبسي) في المدينة من مخزن سي (الصادق بو ذراع)، فقد كانت تُتَّخذ تحت إشرافه كل التدابير والتقارير التي تهم الناس، خاصة ليلة رمضان وليلة الإفطار، عندما يمسي الشيخ متعلقاً بالهاتف إلى ساعة متأخرة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015