العائلان التي تعيش من الفلاحة، ثم لم يعد التطور الذي ألغى العادة المألوفة إلى أن يعوضها بعادة جديدة.

لا زال طلب العلم يحرك الهمم في العشائر المجاورة. ولكن الطلبة الذين يفدون منها يتوزعون الآن على طرفي الخط الإيديولوجي في المدينة: فمنهم من ينتسب إلى المدرسة الإصلاحية التي يشرف عليها الشيخ (العربي التبسي)، ومنهم من يذهب إلى مدرسة أخرى يشرف عليها من يدعي أنه محافظ على التقاليد، وتشرف عليها في الحقيقة الحكومة.

أما الأفكار التي كنت أحاول نشرها فكانت في تعويض فلاحة القمح والشعير بفلاحات أخرى، مثل التين الشوكي وشجر الصبار التي تتمشى مع تغير المناخ، لكنني ما كنت أجد لها أذناً صاغية، غير أذن (حشيشي مختار) ربما لأنه- مع التزامه الإصلاحي- بقي واعياً لنوعية المشكلات في البلاد.

وفي هذه الأثناء كنت أكاتب زوجي وتكاتبني، فأخبرتني ذات يوم بأنها تسلمت الجوازين المنتظرين: الحمد لله! ..

ربما لا يفهمني اليوم من يسمعني أحمد الله، المحمود على كل حال، لأنني حصلت على جواز سفر، بينما الأمر لم يكن في تلك الفترة سهلاً ولا عادياً، لأن الاستعمار كان شديد الحرص على بضاعته البشرية في المستعمرات خاصة البضاعة المتعلمة.

فتأكدت لدي فكرة السفر إلى الحجاز، فراراً من العيش في أرض استعمار أو في أرض مستعمرة، لأنني سئمت فيها الوجوه والآفاق.

ولم يكن والدي في حالة أطلب منه الإرشاد، لأنه أصبح منذ وفاة والدتي أجنبياً عن أمور الدنيا لا يهتم بها ولا يديرها، بل أصبحت الأسرة كلها كسفينة تتلاعب بها الأمواج، لأنها فقدت في والدتي اليد التي كانت ماسكة بمقودها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015