الأسطوانات المصرية مطلوبة في كل المقاهي التبسية، حتى لم يبق لـ (عيسى الجرموني (?)) مستمعون إلا خارج السور، في تلك المقاهي التي أنشئت خارج السور، واحتفظت بكل الطابع القديم، لأن غالب زبائنها يفدون من العشائر حول المدينة كل ثلاثاء يوم السوق.
واتضح أكثر في تبسة خط التوزيع الإيديولوجي، بين مريدي الشيخ الإمام (سي سليمان) ورواد الفكرة الإصلاحية: يجتمع أولئك حول شيخهم بعد كل صلاة عصر، عند صومعة المسجد العتيق في انتظار صلاة المغرب، ويجتمع هؤلاء حول الشيخ العربي التبسي بمخزن (سي الصادق بو ذراع).
وكانت الخصومة حامية بين الطرفين، يضرمها من يصطاد في الماء العكر، كلما أوشكت على الانطفاء، حتى لا تفوت فرصة على منتفعي تلك الفترة التي بدأت فيها تفتح مقاهٍ وتفلح تجارات وتتكون ثروات تحت راية الإصلاح.
ولاشك أن الحكومة كانت أكبر منتفع من الخصومة، فكانت تدس في المعسكرين من يضرم نارها.
بينما بقي (حشيشي مختار) المقامر المحترف سابقاً، على خط التوزيع محايداً،- مع إدراكه للجانب السليم والجانب المريض من الناحيتين، ومع ميله المبدئي لصف الإصلاح.
أما الشيخ (الصادق بن خليل) فإنه استمر في شغله مع الفتيات الأوربيات الطامحات في الزواج، المعتقدات ببساطة عقل عجيبة، أن الشيخ يستطيع بالتمائم والحروز تحريك القلوب وتقليبها، وكان من ناحية أخرى يشتغل مع شريكه اليهودي في المطبعة الصغيرة الوحيدة في المدينة، في طبع القوائم التجارية ودعوات الزواج وإعلان المآتم.