باريس تحب الشيء الغريب في متاحفها، ولكنها تكرهه في منازلها. ولم تكن مدام (أنا كليتو) لتخفف من حدة الأمر حتى في بيتها، فقد أزالت منه كل الطابع الفرنسي: فعوضت الكراسي بالسجاد و (الطرابيزة) بالمائدة الشرقية، حتى نال التبديل زيها واعتقدت عندما رأيتها لأول مرة، أنها امرأة شرقية، وعلى رأسها منديل حرير مثل نسائنا بتبسة.
ولكن لم يكن زوجها من النوع الذي يكترث بحب أو سخط باريس، بل كان يزيد في الطين بلة أنه يرى طبعاً في الإسلام الدين الأفضل، ولكنه يعطي لهذا المبدأ في التطبيق ما يضفي عليه لون التعصب، حتى إن معارك (هوميرية) كانت تنشأ بينه وبين زوجي حول الطماطم مثلاًحين يقول (أنا كليتو) بكل عنف وإخلاص:
- مدام الصدّيق، إنني أؤكد لك أن الطماطم الفرنسية ليست شيئاً بالنسبة إلى الطماطم الجزائرية.
وتصر زوجي:
- يامسيو (أنا كليتو)، إنني مسلمة مخلصة لديني ... ولكنني أعترف أن الطماطم الفرنسية أقل حموضة، وأكثر لحماً.
والأمر في الواقع كان كذلك، ولكن لا يستطيع أحد أن يجعل (أنا كليتو) يتراجع في رأيه عن أفضلية الطماطم الجزائرية، لأنها في نظره ليست الطماطم فحسب، بل طماطم أنبتها التراب الإسلامي.
ولكن هذا التعصب في التفاصيل الطفيفة، لم يجعله قصير النظر في المشكلات الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي، خاصة المشكلات ذات الطابع الحضاري، وقد انسجمت معه منذ لقائنا الأول بالهجار، وأصبحت أدين له