بباريس ليصغي إلى حديثي، كما يصغي المريد إلى شيخه. وإذا به يخبرني ذات مرة في (الهجار) بأن خطيبته تريد التعرف عليّ لأنه حدثها عما أخذ مني، فاتفقنا على الأمر، وعندما أتيت للموعد وجدت صديقي مع سيدتين قدم لي واحدة بوصفها خطيبته، والأخرى على أنها أخته، توسّمت على الفور أنهما يهوديتان، واستمر الحديث في الدين حتى قالت الخطيبة:
إن خطيبي أخذ عنكم كثيراً، فأريد أيضاً أن أستفيد خاصة في تحديد مفهوم الله ... ما هو الله؟
أدركت على الفور مغزى السؤال: إنه الفخ الذي سبق لي أن تعرضت له مراراً بجمهورية (تريفيز): عندما يكون السائل لا يريد توضيحاً من المسؤول وإنما تعجيزه أمام شهود، كانت الخطيبة إنما تريد تعجيزي أمام خطيبها ليزول تأثيري المعنوي عليه، وكي تزول بيني وبينه صلة السر (?) التي تربط هذا المريد بشيخه.
أدركت على الفور أنها تنتظر مني جواباً كلامياً يعطيها الفرصة للمناقشة والجدال، فأتيتها من حيث لا تنتظر، وقلت:
- الله هو السبب، بلا سبب، لكل الأسباب.
فرأيت المرأتين تطأطئان الرأس لأن منطق الجواب قطع عليهما السبيل فيما يبدو، ولم يكن ذلك الظرف الوحيد الذي قضى فيه هذا المنطق على بعض الأحابيل في أحاديث (الهجار). بل كان الظرف يتكرر كلما كان الحديث مع يهودي أو في القضية اليهودية، التي أصبحت موضوع الاهتمام في تلك الفترة، فكان صحافي باريسي- ربما من الصحافة اليسارية- يحتج ذات يوم على (أولئك الذين يتهمون اليهود بالعصبية) واستمر يستدل على رأيه بقصة، بينما كنت