مزركشة تفتقر إلى الذوق، والنوع الثاني من هواة السياسة والمناقشات الفكرية، مجتمع في قاعة بالدور الأول تزعم هي الأخرى أنها مقتبسة من قصور هارون الرشيد، تجتمع فيها مجموعة من البشر من ذوي العيون اللامعة من الحمى، كتب على وجوهها الجوع والنقمة وما يصدر عن النفوس من عبارات مختلفة تتفجر أحياناً في مواقف مفجعة، مثلاً عندما تنطلق ذات يوم هذه البنت البلغارية مع أبناء جلدتها في حديث كان فيما يبدو على درجة من التأثير، جعلها تضرب بمعصمها باباً زجاجياً فمزقت شرايينها واستمرت مع ذلك في الحديث غير مستسلمة لمن يريد نجدتها حتى سقطت على الأرض.

كنا نحن نجتمع في هذه القاعة على مضض من صاحب المقهى، لأنه يفضل زبائن الدهليز بسبب الأرباح التي يدرها عليه، وكنت أتجاذب الحديث مع (حمودة بن الساعي) عن الوضع في الجزائر، وعن كتاب (مسينيون) عن (الحلاّج) الذي كان موضوع الأخذ والرد في تلك الفترة.

وربما كان مَن أمامنا من البلقانيين، يهيئ مؤامرة من نوع تلك التي سيذهب ضحيتها في تلك الأمسية رئيس الجمهورية الفرنسي (دوييرو) تحت طلقات (كركولوف) عضو المنظمات الوطنية الماسونية. وربما كانت البنت التي ضحت بمعصمها أو بحياتها- لا أدري- ربما كانت في ليلة من تلك الليالي تبرهن عن ضرورة تحطيم الأعداء. لم تكن صور الحياة في هذه الناحية من (الهجار) كلها من هذا النوع الأسطوري، بل كانت هناك صور أخرى صامتة هادئة، لا أدري إذا كانت تقل خطورة عن تلك في آخر المطاف.

كان في تلك الفترة عامل جزائري بسيط اضطرته الظروف إلى مغادرة بيته بمدينة (سطيف)، لأن الحكومة أمرت بإقصائه بعد مشاجرة حدثت له مع رئيس شرطة المدينة، فاضطر إلى هجر عزبته وأسرته، وأن يعمل في باريس وتعرف عليّ وتعرفت عليه في مناسبة لا أتذكرها، فأصبح ينتهز فرصة وجودي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015