وذهبنا إلى (بروويه) وهناك تكونت لي علاقة مع الخوري، الذي كان بين التردد والإيمان، وبين الإباحة والتحريم في الأشياء التي لا يجيزها دينه، لمن يترهب. ولكن كانت زياراته لمنزلنا يوم الأحد، حين الغداء أو بعده، تعطيني فرصة الحديث معه في الأمور الغيبية، فكانت زوجي تستميت في سبيل إعلاء كلمة الإسلام على سواها، بينما تبقى أمها مُصغية لا تقول شيئاً- وربما لا تفهم شيئاً- في الموضوع، غير أنها عندما تظهر اهتمامها تقول في تلك اللحظة:

- لعل شيئاً فوقنا ... لعل ...

تقول هذه الكلمة دون أن تلهيها عن شغلها في إرجاع أثاث الأكل إلى خزانته أو غيره، ويستولي علي أحياناً الحنين إلى أصدقائي خاصة (حمودة وصالح) فأسافر إلى باريس.

كانت الشركة الوطنية للخطوطى الحديدية تقدم تخفيضات على تذاكر الذهاب والإياب بمناسبة عطلة آخر الأسبوع، فأسافر عشية السبت وأعود عشية الأحد، ليس علي إلا تكاليف السفر المتواضعة جداً، لأنني كنت أنزل عند الصديقين أشاطرهما المنزل بفندق (بردوكس) حيث توالت أجيال الطلبة الذين يذهبون أحياناً بأجور غرفهم المتواضعة، فأنزل عند صديقيّ أشاطرهما أيضاً الطعام، لأن (صالحاً) كان يتقن طبخ الأرز بقليل من الزيت وكثير من الاقتصاد.

فإذا جئت باريس كنت بطبيعة الحال أقضي تلك الليلة إلى ساعة متأخرة بـ (الهجار) المقهى الغربي الأول من نوعه بالحي اللاتيني، الذي دشنه صاحبه الجرائري منذ أربع سنوات، وكانت زبائنه من نوعين: هواة الموسيقا الفلكلورية والرقصات المغربية، وأصحاب النوايا السياسية.

فكان النوع الأول ينصب في دهليز مهيأ على زعم صاحبه في إطار من ألف ليلة وليلة، يجلب السائح الأجنبي المتطفل بألوان مفرطة متراكة في لوحة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015