دفعته والمتخلص بسبب تكوينه العلمي من كل ما تفرضه القبيلة، لم يكن على رأي أخيه في هذا الموضوع.
كان يحرجني التدخل حاكم صلح بين أخوين، يرى كل منهما نفسه أنه على صواب، الأول باسم تقاليد نسختها الأيام، والثاني باسم حرية تقرير المصير التي رسخت الأيام معناها في الأذهان.
بينما كان (علي بن أحمد) قد انتهى، في تلك الفترة، من قضاء شهر العسل لزواجه من صاحبة مكتبة صغيرة، ورجع إلى الحي اللاتيني ثائراً ساخطاً على كل شيء أكثر من ذي قبل.
أما أنا فصرت مند افتتاح المدرسة، أواجه أزمة دراسية لم تكن في الحسبان: أصبحت غير قادر على أي عمل ذهني متواصل تلك السنة.
فطلبت من المدير (سودريه) أن يجيزني لمدة غير معينة، فأدرك حالتي النفسية بعد موت والدتي، وقد كانت لي فكرة من وراى ذلك: إنني ما دمت مصمما على الهجرة إلى السعودية ألا يكون من الأجدى أن أدرس علم مسح الأرض (المساحة)؟
تلك علامة اضطرابي في تلك الفترة، لكن سلوكي لم يتغير من ناحية: كنت إذا ما بيّت مشروعاً لا أتخلف عن إنجازه، فاتصلت فوراً بمدرسة الأشغال العمومية لأسجل اسمي في دروسها بالمراسلة، لأنني قررت أن أسكن خارج باريس، فاتفق أن (أمي مورناس) قررت هي أن تشتري بقالة صغيرة في قرية (بروويه) في ريف قريب من دروكس وباريس، فقررت أن أسكن معها.
وسكبت مدام بيري دمعة أخرى هذه المرة للفراق، وودعت زوجي والهرة (لويزه) وداع الحزين.