وربما كان هذا السبب الأول في فتور علاقاتي بهم، ولسوء التفاهم بيننا فيما بعد، خاصة بيني وبين الشيخ (العربي التبسي) رحمه الله.

وبدأ الجو العائلي نفسه لا يسمح بالتنفس بالنسبة لي، كأنما وفاة والدتي زرعت حولي الفوضى والحيرة في العقول.

فكان والدي يقضي جُلّ وقته في المقبرة ليتتبع بناء قبر والدتي، وكانت أختي الصغرى تنوبها حالات عصبية فظيعة من أثر المصيبة. كنت لا أستطيع الوقوف أمام هذا الانهيار الذي اجتاح أسرتي والذي ذاقت منه زوجي الأمرين.

فأصبح جو تبسة لا يحتمل .. فقررت السفر دون أن يرى والدي في ذلك مانعاً، لأنه أصبح عاجزاً عن الأمر والنهي.

وأتى يوم السفر ولم يسكب أحد (ماء العودة) بين قدميّ.

...

العاصفة في البحر شيء رهيب عندما يملأ البرق الآفاق كأنه اكتسح العالم، ويدمدم الرعد ويتفجر، ويتردد صداه من كل ناحية، وترفع السفينة مقدمتها على الأمواج تارة كأنها صاعدة إلى فلك، ثم تغرسها في البحر تارة أخرى كأنها هابطة في أغواره البعيدة.

ولكنني لم أكترث أو على الأصح لم أشعر بالخطر الذي يشعر به كل راكب على متن سفينة تواجه عاصفة أو إعصاراً.

وعندما وصلنا إلى ميناء مرسيليا، وسمعت الربان يقول لزميل له: إن سفينته أوشكت على الغرق، أسفت لأنها لم تغرق فعلاً.

ولم أكترث هذه المرة بالتقاليد التي نتبعها عادة عند إقامتي بمرسيليا تلك الساعات، قبل مغادرتي لها مساء على متن قطار باريس؛ لم تكن لي أي رغبة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015