وتخلل هذا مواقف أسطورية. مثلاً عند ما يرى رئيس الشرطة الفرنسي هؤلاء الجماعة من باعة البيض والبقول، يكسرون خزانة أكبر مخزن يهودي كأنها من الكرتون، ويأخذون ما فيها من أموال طائلة ويحرقونها أمامه.
وربما كانت السلطات الاستعمارية مغتاظة أكبر اغتياظها من أن أحداً من هؤلاء الفقراء المسلمين لم يدنس يديه بالسرقة ذلك اليوم.
كان ذلك يوم الخامس من آب (أغسطس) عام 1934.
وبقيت المدينة تموج في الغد والأيام التالية من الأسبوع، بأحداث كان لأحدها أسوأ أثر في الحياة السياسية الجزائرية المقبلة. حدث أثناء الأسبوع أن الزعيم رئيس اتحادية النواب ناول رئيس الشرطة ضربة رأس، وهو مثل ذلك العملاق الذي كان بجنب السيدة (حرم مصالي حاج) يوم تدشين حركة (نجم شمال إفريقيا) بباريس.
فكانت الضربة التي صعد بها نجم الزعيم في السماء، وانتشر صيته في الآفاق، وقلما تلد الأحداث الكبرى فأراً، ولكنها ولدت فأراً في تلك الظروف وبدأ يعبث على الفور. إذ عندما وصل من السيد (أمين الحسيني) مبلغ لمعاضدة منكوبي قسنطينة من المسلمين، لم ير الفأر بداً من إرجاع ذلك المبلغ كيلا يظهر للسلطات الاستعمارية تواطؤ مع ما يشتم منه رائحة (الحركة الإسلامية).
وهكذا بدأ الوطن يخرج رويداً رويداً من جادته إلى مسارب (الديماغوجية).
ولم يكن العلماء على جانب من الخبرة بوسائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري حتى يفطنوا إلى هذا الانحراف، ولم يكن لديهم من حدة المزاج وصرامة الإرادة ما يكفي حتى يتداركوا الموقف.