لقطاع العاصمة، وأصبح لا يخفى على كل ذي رأي سديد، أن اللهب سوف يمتد إن لم تخمد ناره في القطاع القسنطيني، وفي تبسة أولاً وقبل كل شيء.
لم تغير وفاة والدتي بعد الصدمة الأولى، كل عاداتي في المدينة، فبقيت أخرج في المساء بعد العشاء، غير أنني أتجول وحدي.
كنت تلك الليلة أتنزه في اتجاه وادي (الناقوس) كالعادة، إذ صادفني على طريق قسنطينة، (عبد الحفيظ مسقالجي) أخو صهري عبد الحميد، وهو راجع من فسحته وكان ذا وجه بشوش يحبه الناس لبشاشته، فيلقبونه (غاندي) أو (القبائلي)، وأحياناً (استافيسكي) مداعبة له منذ أحداث باريس الأخيرة، والواقع أنني لم أره مرة غضب مع أحد، فكان تلك الليلة وهو في رجوعه قد عرفني قبل أن أعرفه بسبب نقص في التنوير، فتقدم وقدم لي من كان معه:
- الصديق، ها هوذا الدكتور (بومالي) يصل الآن من قسنطينة ومعه أخبار.
كنت أعرف الرجل الذي صافحني وبدأ على الفور الحديث:
- إنني أصل فعلاً من قسنطينة. وقد كلفني رئيس اتحادية النواب بمهمة في تبسة.
فحدقت أكثر في الرجل لأتبصر في مهمته. فواصل الحديث:
- إن محافظ قسنطينة دعا اليوم رئيس الاتحادية وصرح له بأنه سيتخذ إجراءات صارمة، إن لم يتراجع النواب عن استقالاتهم، وأنه ربما يستعمل الجيش لقمع المدن والقرى المصرة على (التسليم).
- إنك إذن قد أتيت بإنذار لمدينة تبسة .. يا دكتور.
قلت له هذه الكلمات وحدقت فيه البصر، فتنحى من وجهي قليلاً وقال: