يظهر لي ويخفى علي عبث هذه الفكرة التي ستخامر عقلي كل الأيام التالية عندما أستيقظ باكياً، البكاء يقطع أنفاسي في النوم، وستدوم هذه الحالة سنوات إذ أجد نفسي كل صباح أنني كنت أبكي في النوم.
ولم أجد حولي عصاً أتوكأ عليها في تلك الفترة، لا أبي يستطيع مؤازرتي لأنه فقد كل طاقة معنوية، ولا أختاي لأنها- غفر الله لهما- تعصبا تعصباً عنصرياً ضد زوجي.
فزادت هذه المحن العائلية في محنتي، أريد أن أعقل من حولي، وكل من حولي فقد الرشد، وقد حزّ في نفسي خاصة أن الأسرة كلها اتفقت على بناء قبر فخم على جثمان والدتي، وعجزت في هذه النقطة بالذات، بينما كنت أقدم لوالدي تارة الدليل من الدين وتارة من اعتبار المجتمع.
ولكن الحياة لم تفقد في تلك الفترة بالذات مصارف أخرى تلهي عن الأمر الداهم بأمور، وتسلي الأحياء عن ساكني القبور، كانت المعركة السياسية التي تركت صداها يدوي بعنابة يوم نزلت بها، تدوي في أرجاء القطاع القسنطيني عموماً ومدينة تبسة خاصة.
كانت المدينة تموج على أثر استقالة كل نوابها، على مختلف درجاتهم، وكان (حشيشي مختار) يصول ويجول في النادي، وكان دكان سي (الصادق بو ذراع) كصندوق الصدى لكل ما يحدث في الوطن.
ولا أدري إذا شعرت مدام (دوننسان) والسيدات المترددات على دكانها وناديها، بالعاصفة التي تجتاح البلاد.
أما حاكم المدينة فلا شك أنه كان يتتبع عن كثب كل ما هب ودب، وكانت الأوساط الحكومية عموماً متأثرة كثيراً مما يدور، خصوصاً أن الحركة بدأت تمتد