تلك الليلة أولي كل اهتمامي لمواساة والدي الذي كان يبكي خلف منديل يخفي وجهه، وكان خالي (أحمد شاوش) الطبيب التقليدي المشهور والمحبوب في المدينة، يصرف كل جهد لمواساتنا جميعاً، بذكلر نبذ من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فتظاهرت بالأكل أمام والدي، عندما ناولونا العشاء، وألح خالي (أحمد شاوش) على والدي بالخروج فخرج.

لم يجرؤ أحد من أصدقائي أن يدق علي الباب كالعادة يوم وصولي، طلبت خديجة فوجدتها منهارة في الغرفة التي أعدتها والدتي منذ سنوات ليوم زفافي.

لم أستطع أن أقول لها شيئاً يهدئها، فخرجت إذ أصبح لدي كل شيء لا يحتمل في هذا البيت، فذهبت كالسكران إلى حيث لا أدري، وإنما أتذكر الخطوات التي سرتها وحدي خارج السور، ولا أدري إذا كنت أسير مطاطئ الرأس على الأقدام، أم كنت أسير في ليل دامس لا أرى فيه النجوم.

ولكنني أتذكر تلك الكلمة التي تترد في نفسي وبين شفتيّ:

- أنا الآن ... يتيم

عجباً لفكرة كهذه عند رجل شاب، ولكن عقله قد تشنج، شنجته المصيبة، بينما لم أشعر بكل صدمتها إلا في الغد عندما استيقظت من النوم، وقد كانت والدتي تراقب تلك اللحظة بالذات، فتأتي إلى غرفتي لتهدي لي أول ابتساماتها وأول عطفها.

لم تأت والدتي ذلك اليوم فكانت الصدمة الكبرى، وتشنج فعلاً فكري، فأصبحت أقول:

- لا ... إن والدتي ستفتح الباب ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015