كنا نعيش في شقة مدام (بيري) حياتنا اليومية كما هي، دون تعقيدها بتوقعات المستقبل في العالم، مقتنعين بالأحلام التي تستقطبها الطائف في نفوسنا، وكان ذلك الأفق يكفينا.

بالإضافة إلى أن الأحداث حولنا كانت تتوالى، يمحو اللاحق السابق منها في ذهننا، فها هو ذا يأتي من الجزائر نبأ يثير اهتمامنا أكثر من غيره؛ إن وفداً من اتحادية النواب سيحل قريباً في باريس، ليقدم مطالب الشعب الجرائري؛ وحسب ادعاء ذلك الوفد، فهذا يعني في الحقيقة أن يقدم بعض المقترحات المعقولة، خصوصاً في نطاق القانون الأهلي.

بدأ الحي اللاتيني في طرفه الجزائري، يتهيأ لهذا الحدث، كل على حسب ميوله ورغباته: هناك من كان يرى الفرصة لإبداء ولائه للحكومة من أجل تحقيق أمله في الحصول على مركز في الإدارة، فيقف ضد الوفد على هذا الأساس، على مشرب (مصالي حاج)، الذي كان أيضاً بطبيعة الحال ضد الوفد؛ أما أنا مع (حمودة بن الساعي) و (بن عبد الله) فكنا غير مكترثين بالموضوع، وكان (علي بن أحمد) ضد الوفد وضد من يناوئه كعادته.

وبالتالي وقفت الحكومة الفرنسية بين المتشاجرين الجزائريين كلهم، برفض رئيسها (كاميل شوتون) استقبال الوفد.

وكانت تصلنا إلى باريس الصحافة الجزائرية: (الدفاع، جريدة الأمين العمودي)، و (الوفاق) للدكتور (بن جلول)، و (الصوت الأهلي) للزناتي، وحتى (مجلة المعلمين الجزائريين).

علمنا من صحافتنا أن الصفعة التي ناولها (شوتون) للوفد أحدث ضجة كبيرة في الرأي العام الجزائري، وتسببت في تلك الموجة العارمة من السخط، التي يسميها التاريخ السياسي الجزائري (موجة التسليم العام)، بدأت فعلاً كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015