قد كان خطابي فعلاً مثيراً، ولكني أرى الآن أنه كان على جانب من البساطة يخجل أبسط البسطاء، وبطبيعة الحال لم يرسل جلالة (الميكادو) أسطوله لجدة لإنقاذ الموقف، بالإضافة إلى أن هذا الأسطول كان تلك الأيام مشغولاً في حصار موانئ الصين.
هكذا وجد الموقف حله من طريق آخر، وإذا بصحف المساء تعلن في عناوين ضخمة، أن الحديدة سقطت في يد (الوهابيين)، وأن (الذرانيج) حرقوا في مينائها الأسطول الشراعي الذي جمّعه الإمام يحيى، وأن أمير المدينة فر سباحة وعلى ظهره خزينة الحكومة، وأن الأمير فيصل نقل الجيش السعودي على الآلاف من السيارات المعدة لنقل الحجاج، ليزحف على الساحل اليمني بينما أخوه سعود، رحمه الله، يتوجه إلى الناحية الجبلية.
تركت هذه الأنباء الرأي العام مشدوهاً:
- ياللويل ... ياللعار ... ياللمصيبة الشنعاء ... يالآمال فاشية استعمارية ذهبت هباء! ..
بالنسبة إلى قادة السياسة الغربية، حتى المناوئين للفاشية، كان فعلاً دواء شراً من داء، إذ الوهابية وحدها على ما هي عليه شر لا محالة، ولكن وهابية وإحباط خطة استعمارية شرّان.
أما في بيتي، فلم تزغرد خديجة لإعلان ابتهاجنا، لأنها لا تعرف كيف تزغرد النساء الجزائريات في ظرف السعادة والسرور، كما كنا لا نعرف في تلك الفترة التي ظهر فيها كتاب (ملحمة البترول (?))، ما سيكون في الجزيرة العربية بعد اكتشاف البترول في أرضها.