يبتسمان، دون أن يردا على تحية وهتاف الطلبة إلا بالابتسام لأنهما لا يتحدثان الفرنسية، وربما لا يفقهان معنى للموقف.

وأراد (شياب) محافظ باريس في ذاك العهد، أن يعيد الهدوء للمدينة ويبعد السحب المتراكة، فنزلت على رأسه الصواعق:

- اذهب يا (شياب)!! .. اذهب! ..

هكذا صرخت المظاهرات الطلابية خلال اليومين الحاسمين الرابع والخامس، من شهر شباط (فبراير) عام 1934.

سقطت حكومة (شوطان)، ودعي الرئيس المتقاعد (دوميرج) من ريفه، كما دعي سنة 1925 الرئيس (بوانكاريه) لإنقاذ الوطن من أزمة الفرنك.

وكان والدي مهتماً بهذه الأحداث شأنه شأن كل جزائري يعتقد في تلك الفترة، أن كل تغيير حكومي في باريس سوف يغير مصيره، فكتب لي يسألني عن الوضع، وأتذكر أني أجبت أن فرنسا قد أخذت بذراع الشيخ (دوميرج) متكئة عليه نحو مصيرها ...

واستمرت حياتي على نسقها لم يتغير فيها شيء، لأنني لم أكن أعلق على هذه الأحداث إلا اهتمام من يريد الاطلاع، بل كنت مهتماً أكثر بأنباء الجزائر، التي كانت تفيد أن النواب بدؤوا يستلمون مقاليد الحياة العامة، وأصبحت أتساءل:

- هل تسلم جمعية العلماء المقاليد إلى تلك الفئة الحاملة للشهادات الجامعية؟

وربما لم يكن تخوفي من هذه الناحية نزيهاً كل النزاهة، إذ كان لي غرض يشاركني فيه (حمودة بن الساعي)، هو أن نكون نحن الاثنان، الوارثين لجمعية العلماء بعد دراستنا، لأننا نظن في أنفسنا الجدارة لخوض المعركة السياسية، مع المحافظة على الخط الإصلاحي ونتائجه في الوطن، الأمر الذي كنا نختلف فيه تماماً مع المثقفين الآخرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015