وكانت كأمها الحاجة زليخة، تتمتع بميزة القصاص الماهر، تللك الميزة النادرة عند من لا يقرأ ولا يكتب، فقصت عليّ قصة حجها، بكل ما تحتاجه القصة من تنوير في بعض نواحيها، وما تقتضي من تظليم في نواحي أخرى، كما تتطلب قصة يلتقي فيها عنصرا اللاهوت والناسوت.
ولم تفتها بعض الملاحظات ذات الطابع الاجتماعي:
- لم يرد وكيل فندق نزلنا فيه بالمدينة، أن يتسلم من يدي محفظة نقود وجدتها بالحرم فالتقطتها كي لا تضيع على الحاج صاحبها. وبيّن لنا صاحب الفندق أنه كان من الأليق تركها في مكانها كما تقتضي التعليمات السعودية.
كان فعلاً العصر الذهبي للحركة الوهابية في الأرض المقدسة؛ وما قصة والدتي- مع أنها زادتني رسوخاً في (وهابيتي) - إلا إحدى القصص التى يتناقلها الحجاج كل سنة يحملونها إلى الآفاق الإسلامية.
وكانت والدتي تختار في قصتها النبذة ذات الدلالة:
- أردت أن أشتري أمَة لأحررها، فأبت علي ذلك، إلا إذا أخذتها معي إلى الجزائر. ففهمت أنها تخشى العسر أكثر مما تأبى الرق.
وكانت التفاصيل التي لفتت نظرها وأثارت إعجابها أيام الحج متنوعة كثيرة جداً:
- كنت ألاحظ بالحرم المكي أثناء صلواتي، أن أسراب الحمام التي تعيش فيه، لا تحلق فوق البيت عندما تطير، وإنما تطوف به طوافاً.
لا أدري ما في هذه الملاحظة من دقة علمية مع علمي ما لوالدتي من تبصّر، ولكنها تدل على أن روح الحاج لها أسارها؛ ومن تقاليد الحجاج الموروثة أباً عن جد، أن يعود كل واحد بأكثر ما يمكن من الهدايا، فرجعت والدتي بهدايا