ودخلها أو سيدخلها جيش (الفيرماخت (?))، وعلى نغمات مارش (خطوة الإوز (?)) يدقها الطنبور دقات مسترسلة.
كانت سماء تبسة تشع فوق رؤوسنا- ونحن في الحديث- جمالاً مشرقاً؛ ونجومها تصب في قلبي ابتهاجاً لا أستطيع التعبير عنه.
وكانت والدتي تنتظرني لتقص علي قصة حجها، ولم يكن والدي رجع بعد من فسحته، عندما رجعت إلى البيت:
- قصي علي يا أمي ما رأيت وما سمعت وكل انطباعاتك.
بادرت هكذا والدتي مجرد ما جلست كالعادة على طرف سريرها:
- ماذا أقص عليك يا بني!
كانت هذه العبارة على لسان والدتي تعني ازدحام ما تريد قوله، فأصغيت:
- إيه!. دنيا أخرى.
واسترسلت، وكنت أخشى أن تسكت عندما ترى دمعي، على الرغم من أن الغرفة كانت نصف مظلمة، كعادتنا في ليالي الصيف منعاً للحشرات، فلم نترك إلا إضاءة واحدة موقدة في الفناء.
ولكن كان الحديث مؤثراً تهزني منه أحياناً هزات لا أستطيع كبتها، فأتظاهر بالعطش حتى أذهب إلى الشرفة حيث توجد برادات الماء فأطلق العنان للدمع، ولا شك أن والدتي كانت- دون أن يبدو شيء- تتبع تلك الحالات النفسية على وجهي، وما كانت لتفوت تلك المرأة التي تقدّر على عادتها كل حالة بنظرة ثاقبة، في لمحة بصر.