والفطرة التوجيه الجديد، وإذا بالتبسيين يشدهون ذات يوم، إذ يرون (مختاراً) يتقدم إلى لجنة الاكتتاب لبناء المدرسة بمبلغ عشرة آلاف فرنك وهو مبلغ معتبر في ذلك العهد، ومما يزيد من اعتبار الأمر أن أهالي المدينة لم يروه بعد ذلك اليوم يمارس قماراً ولا يتناول خمراً.

هكذا أصبح (مختار) مناضلاً في حركة الإصلاح، وهكذا حتى (بنيني) تراجع عن الإدمان في تلك الفترة، ولم يبق ذلك الكائن التعيس الذي تفوح من فمه ومرقعاته رائحة الخمر، والذي يسوقه الشرطي (أنطونيني) إلى السجن كل مساء، إنه هو الآخر قد تعدل حاله.

ولا أدري كيف يعبر اليوم بعض (التقدميين) في بلادنا الإسلامية عن هذا التحول الاجتماعي، لعلهم يسمونه (التقهقر).

كنت متعطشاً تلك الليلة للإصلاح في هذا الجو المنقى، الذي لم تلوثه بعد الجراثيم (المصالية) ولا الأكاذيب الفدرالية (?) حتى أعلم قدر ما أستطيع ما يدور فيه.

فتحدثنا عن أشياء كثيرة تخص تلك المرحلة التي أصبح فيها الشعب يتخذ من كل حجر وسيلة لبناء مدارسه ومساجده وأنديته، ويتخذ من كل حطب عصياً في وجه الاستعمار، لم تفقد مدينة تبسة تلك الحساسية السياسية التي اكتسبتها مند بداية القرن مع (عباس بن حمانة)، فكانت هي الأخرى تذكر اسم هتلر لا كمايذكر في العالم، هنا كمنقذ وهناك كالمسيح الدجال، فكان اسمه على الألسنة مقروناً بأحداث مقاطعة (السارجيث) التي ستعيد عاصمتها اسمها الجرماني (ساربروكن) بعد أن سماها الفرنسيون (سر لويس) بعد الحرب العالمية الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015