تمتطي صباحاً فرسها متجهة بين باقات الشيح (?) وأكوام الحلفا، نحو نزل آخر للاستماع إلى ذكريات أخرى.

إن هذا الجو يأسرني أيضاً كلما رجعت من غيبة طويلة، ويلوح جبل (قرص السكر)، كما تلوح من بعيد الصومعة التي تنذر المسافر بالوصول إلى بيته وإلى أهله.

إن مدينة تبسّة تتجلى أكثر للمسافر عندما يأتي عن طريق سوق أهراس، من الاتجاه الذي تأتي منه قوافل الصحراء، لأنه يراها بأكملها مسطحة تحت جبل (بورمان).

وها هو ذا سور المدينة العتيقة؛ وهأنذا قد نزلت عند باب قسنطينة.

إن العادة في قرانا الصغيرة تقضي بأن يكون أطفال الحي هم الذين يعلنون للأسرة نبأ وصول المسافر، فما إن وصلت إلى ميدان (الرسول) حتى ترك الصبيان ألعابهم وانطلقوا يتسابقون إلى بيتي وهم يصرخون:

- سي الصديق جاء!. سي الصديق جاء! ...

وما وصلت إلى عتبة دارنا، بين مهرجان الأطفال المحتفلين بقدومي، ومن يهنئني من قدماء الجيران مثل (حشيشي مختار)، إلا وكانت والدتي في انتظاري في أعلى السلم متكئة على عكازها، والبشرى تشرق على وجهها، فمدت لي على عادتها يدها الحبيبة فقبلتها، وقبلتها هذه المرة لأنها أيضاً يد الحاجة التي تعلقت بحلقات الكعبة، وبشباك رسول الله بالمدينة.

إن سعادة هذه اللحظة لا تقدر بثمن، بينما راحت أختاي تقبلانني، وأنا أتفرس في وجه الوالدة، فأجده أجمل ما رأيته قط، وعليه غشاوة من العطف والرقة لم أعرفهما من قبل عليه بهذه الدرجة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015