(العين الصافية) يتغير النظر تماماً، ويترك الكوخ مكانه إلى بيت الشعر، وتنتهي الحياة المستقرة العمرانية التعيسة تعقبها حياة الأجداد الرحل.

لقد احتفظت حياة الرحل، على عكس حياة سكان الأكواخ، بكل كرامتها على الرغم من مضايقة العمران الاستعماري لها من ناحية الشمال، وزحف الصحراء عليها برمالها من الجنوب، فاحتفظت على الأقل بكرامتها وجمالها في جو عامر من الإيحاء الشعري، تُبْرِزُ فيه كصور للجلال والسكينة، الجمالَ ذا الخطوات الهادئة كأنها موزونة عل نسق حياة لا تقدر بالدقائق والثواني.

وفي هذه اللوحة الزيتية، ترى الناس مشمرين في السهل يجمعون حصيلة حقولهم، حصيلة قليلة من شعير وقمح اغتصبوها بكدهم من أرض فقيرة عقوق، ولكنهم سيعودون بعد حين عند غروب الشمس، إلى منازلهم حيث تنعقد بعد العشاء، حلقاتهم للاسماع إلى ذكريات القبيلة التي تناقلتها عن الجدود، أو لاستماع ما قاله سيدي (علي بن الحفصي) في القرن الماضي.

فمن لا يعرف في ناحية تبسة وخصوصاً في قبيلة أولاد (سيدي عبيد)، من لا يعرف أقوال سيدي (علي بن الحفصي)؟ إن القوم يعدونها تنبؤاً، ومفاتيح تُفتَح بها أسرار الأحداث، كما يفتح (ابن سيرين) ألغاز الأحلام: فلم يكن يحدث في تلك الناحية حدث هام إلا فسره مُسِنّ القوم وشيخهم على ضوء ما قاله سيدي (علي بن الحفصي) منذ قرن.

إنني أتصور كيف كان هذا الجو البريء السعيد، يأخذ بمشاعر (ايزابيل ابرهارت (?)) ويصب في روحها ذلك السحر الذي تنفرد به كتبها، وأتصورها في تجولاتها خلال منازل هذه العشائر، تصغي إلى أحاديث السمر في هذا النزل ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015