مريح فيضطر للالتفات، وكلما عجزت العبارة عن أداء فكرته، رأيته يكملها بحركات جسده، حركة اليد والرأس وحتى الرجل.

فكانت الملاحظة تلفت اهتمامي لدور الحركة بوصفها وسيلة تعبير في سن الصغر أو في أوساط متخلفة، وقد كان السيد الموظف في نظري أثناء السفر، صورة لتخلف الوسط الاستعماري بالنسبة إلى سير الحضارة الغربية نفسها في بلاده.

ومهما يكن فإن الانسان لا يفقد في أي ظرف كان، ما خصه الله به من تكريم، وهذا ما كنت أشعر به إلى جانب الموظف في السيارة التي استأجرها خاصة له؛ غير أن وجه والدتي بقي يبتسم لي من أعلى درجنا طوال الطريق، فكانت السيارة تسرع وتعرض علي ذات اليمين وذات الشمال مناظر الطبيعة الصيفية، بينما كان السائق في شغل بطرف من عمامته مصمم، لكي يرفعه بيده على جبينه، خشية أن يسقط مرة أخرى على عينيه.

إن الوجود الاستعماري ينتهي مع الإقطاعات الكبرى، الممتدة من سهول (عنابة) إلى تلول (بو شقوف)، ثم من سوق أهراس تبتدئ حقول صغيرة يمتلكها مع بعض القطعان من المواشي الصغيرة من غنم ومعز، الفلاح الجزائري الذي يسكن أكواخاً سقفها من الديس (?) منفردة أو متجمعة على هيئة مداشر وقرى صغيرة لم يكن يصلها ببعضها بعضاً، سوى مسالك لم يعبّدها إلا حافر البغل والحار، وتصلها الآن سيارات (سيتروين) التي تولت مسؤولية التعبيد والتوسيع لتلك الدروب بعجلاتها.

ثم رويداً رويداً ينتهي مجال النبات وتنتهي الغابة الكثيفة، من شجر الزين إلى شجيرات من الصنوبر، قليلة ضئيلة موزعة هنا وهناك؛ ومنذ قرية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015