أساس الوطنية والدين، وتبعاً لهذا الوضع الخاص كانت (عنابة) مدينة تستهلك من الكحول ما لا يقدر، خصوصاً مناسبات الأعراس التي أصبحت كأنها نذر الإله باخوس تقام على نغمات الفنان المشهور (ولد الكرد).

إذا أردنا الحقيقة على وجهها الكامل، يجب أن نقول إن الإسلام لم يفقد سلطانه الروحي في (عنابة) في تلك الفترة، وإنما نراه كأنه هاجر إلى البيوت المتواضعة التي كانت حياتها الروحية في فلك زاوية (بن عليوه)، وهناك يشار إليه بإصبع الريبة من طرف المصلحين، ولا تطمئن إليه السياسة الاستعمارية.

هذا هو وجه (عنابة) من الطرف الجزائري في تلك الفترة.

ولكن من كانت لديه بعض المقاييس لموازنة الأشياء، ما كان ليفوته أن الطرف الأوربي هو الآخر أخذ في التدهور في (عنابة). إذ أخذ يفقد قيمه الحضارية والأخلاقية كأن المدينة التي ميّعت في جو من بخار الكحول التقاليد الإسلامية، لم تسمح للتقاليد الأوربية أن تتأقلم كما تأقلمت في مدن أخرى مثل الجزائر، حيث لم يفقد الأوربي مظاهر حضارته على الأقل.

كانت أستطيع هذه الموازنات لأن معايشتي مع زوجي أكسبتني حجر المحك، أو زادت كثيراً مما اكتسبته في (الوحدة المسيحية للشبان الباريسيين).

وكانت مناسبات تجعلني أتناول هذا المحك في حالات بسيطة، وأثناء سفري هذه المرة من (عنابة) إلى (تبسة) عندما شاطرت موظفاً فرنسياً سيارة استأجرها هو لعودته إلى تبسة، اغتنمت معه الفرصة بفضل السائق الجزائري، فبدا لي منذ أول لحظة ما يشذ في سلوكه بالنسبة للذوق الفرنسي، إذ رأيته يركب جانب السائق لا تواضعاً ولكن كبرياء، مثل عالم من علماء الإصلاح الجزائري، لم يتواضع أن يركب معي من خلف، ثم بدأ يكلمني في وضع غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015