عشرة، فيأخذ من حقيبته قطعة خبز، ويبدأ يتناول لقمة من الخبز اليابس ونصيباً من دروس الصباح، كان هكذا يراجع مواد الدروس في يومها كل يوم، حتى يرجع الطلبة من الغداء، وربما أثناء تناوله الخبز اليابس والرياضيات، يفكر في الشيء الذي يصنعه على ضفة البحر الميت ... ثم ... وعسى ... ولعل ... من يدري؟

لم تكن بيني وبينه صداقة، لأنني اشتممت فيه رائحة الصهيونية منذ اللحظة الأولى، ولكنني كنت أقدره، وأعتقد أنه كان يقدرني على الرغم مما كنت أبدي له من استياء حول فكرة (الوطن القومي اليهودي) بكل صراحة.

وكان أيضاً طالب يوغسلافي أكبرنا سناً، قد ترك بزّة ضابط في الجيش، ليأتي هنا من أجل تكوينه التكني، عندما شرعت بلاده في نهضتها الصناعية، فكان المدير مسيو (سودريه) لا يناديه إلا برتبته:

- يا (كومندان) ..

وهكذا تتابعت الأيام في تلك السنة بالنسبة لي، بينما كانت الصحافة في باريس تصب كل صباح في وطاب فَرّاشي العمارات، الأخبار اليومية عن الراقصة الزنجية (جوزفين باكر)، وعن تنقلات (أينشتين) الذي أصبح اسمه يتردد حتى على ألسنة البسطاء لما أعطته الدعاية من شهرة، خصوصاً الوسط الجامعي حيث أصبح من المقدسات، إلا على بعض الأساتذة مثل البروفسور (بواس) الذي استمر ضد نظرية (النسبية).

وعلا أيضاً في سماء الأدب بباريس اسم (أندريه جيد)، فأخذ كتابه (الغذاء الأرضي) يعلو صيته في الأوساط المتنعمة، كما كان يجري الحديث في هذه الأوساط مجراه عن عملية جراحية يجريها الأخوان (فرونوف) بدعوى أنهما يعيدان للعجوز شهوات الشباب وطاقته، حتى بدأ يفد عليهما من كل صوب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015