كان المال الوفير الذي يصلح لتمويل الثورة الصناعية في يد طائفتين اثنتين في ذلك الحين: طائفة أمراء الإقطاع وطائفة المرابين من اليهود. فأما أمراء الإقطاع فقد رفضوا تمويل الصناعة الناشئة وأبوا أن ينقلوا أموالهم من دورتها الزراعية المألوفة لديهم، والمضمونة الربح لهم، إلى عملية جديدة لا يعرفونها، ولا يطمئنون إليها لعدم تمرسهم بها، خاصة وأن كثيرا من العمليات الصناعية كان يفلس في مبدأ الأمر بسبب نفص الخبرة أو عدم توفر الأسواق أو عدم وجود المواصلات الميسرة؛ أو عدم إقبال الناس على الأشياء المصنوعة بالآلة وتفضيل المصنوعات اليدوية عليها بحكم الألفة الطويلة، وعلى أساس أن استخدام المصنوعات الآلية سيمحق البركة من حياتهم؛ لأن فيه أصبعا من أصابع الشيطان!
عندئذ تقدم اليهود لتمويل تلك الصناعات مرحبين؛ لأنهم -على طريقتهم- لا يخسرون شيئا سواء ربحت الصناعة أو خسرت أو أفلست إفلاسا كاملا، ذلك أنهم لا يشتركون اشتراكا مباشرا برءوس أموالهم، وإنما يقرضون أصحاب الصناعات بالربا الفاحش مقابل ضمانات تضمن لهم رجوع أموالهم إليهم مع الفوائد المضاعفة دون أن يتعرضوا للخسائر التي كانت تتعرض لها الصناعة الناشئة في ذلك الوقت في كثير من الأحيان.
وفكرة المصرف "البنك" فكرة يهودية بحتة، تقوم على تشجيع الناس على إيداع أموالهم -أو ارتهانها- لديهم مقابل إعطائهم صكوكا بها، بينما يشغلون هم هذه الأموال في عمليات إقراض ربوية يربحون عن طريقها الكثير، فيعطون المودعين جزءا من هذه الأرباح ويستأثرون هم بمعظمها دون مخاطرة ولا جهد يذكر!
وهكذا أصبحت لليهود مصلحة أكيدة في قيام الثورة الصناعية لما تدره عليهم من أرباح لم يكونوا ليحصلوا على مثلها من قبل من أمراء الإقطاع، بالإضافة إلى الجلوس في مقعد السيطرة بدلا من الذل المهين الذي كانوا يعاملون به في عهد الإقطاع حتى وهم يقومون بإقراض المال للطالبين! واقراء إن شئت وصفا قصصيا لهذه الأوضاع في قصة "الزنبقة القرمزية" تأليف البارونة أورتسى حيث يطلب أمير الإقطاعية قرضا من المرابي اليهودي، فإذا جاء هذا يسلمه القرض المطلوب وهو ينحني أمامه في ذلة "ولا ضير عندهم في التذلل ما دام