وهذه التعاليم أكثر قداسة عندهم من التعاليم الواردة في كتاب الله المنزل، التي تدعو إلى البر والخير الذي لم يطيقوه أبدا ولم يطبقوه في حياتهم أبدا، إلا قليل منهم، وهذا هو الذي أشار إليه القرآن الكريم:
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1.
فهم يدعون على الله أنه أذن لهم أن يعاملوا الأميين "وهم الأمميون في التعبير الآخر" على هذا النحو, وهم يعلمون أنهم يكذبون على الله، ثم يطيعون الكذب الذي يعلمون كذبه، ويعرضون عن الصدق الذي يعلمون أنه الحق!
وإذ كان مخططهم هو استعباد البشرية و"استحمارها" وتسخيرها لمصالحهم، فقد علموا أن أنجح الوسائل لذلك هي نزع عقائد الأممين وإفساد أخلاقهم.
يقول القرآن عنهم:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 2.
ورغم أن هذا القول نازل فيهم، فقد وعوه وطبقوه على غيرهم!
إن العبرة في الآية الكريمة أن الأمة التي أنزل الله كتابا من عنده لتحكمه في شئون حياتها وتجري حياتها بمقتضاه ثم أعرضت عنه ونبذته، تفقد آدميتها وتتحول إلى دواب كالحمير، وهو نفس المعنى الذي تحمله الآية: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 3.
وإذ وعى اليهود هذه الحكمة من قديم -وإن كانوا يستثنون منها أنفسهم باعتبارهم شعب الله المختار! - فهم يسعون أبدا إلى نشر الفساد في الأرض، الفساد العقيدي والفساد الخلقي.. وكل أنواع الفساد:
{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 4.
تقول البروتوكولات: