الأمر الواقع ليست له صفة الخلود، ولا هو كذلك في منعة من النقد والتجريح.
وبذلت الكنيسة جهدها في محاولة إسكات هذه الأصوات، مستخدمة في ذلك نفوذها على قلوب الناس وعقولهم وأرواحهم، وسلطانها "التقليدي" الذي كانت تأمر به فتطاع، وينظر إلى كلمتها على أنها موضع التقديس.. لأنها مرتبطة في حس الجماهير بالدين.. وما أعظم سلطان الدين على النفوس. كما استخدمت محاكم التفتيش حين اشتد فزعها وخافت على ما في يدها من السلطان.
ولكن رويدًا رويدًا زادت الأصوات عددًا، وزادت جرأة، وزادت استخفافًا بالجبروت.
علماء.. ومفكرون.. وفلاسفة.. ومصلحون.. وحاقدون! حاقدون على سلطان الكنيسة الطاغي وما تتمتع به من المزايا بغير استحقاق..
وكانت العملية بطيئة.. بطيئة.. بطيئة..!! فقد كان حجم الطغيان هائلًا مخيفًا، وكان له في الأرض تمكن طويل يبلغ عدة قرون.
ولكن في النهاية حدث الانفجار!
وكان بشعًا في شدة انفجاره، بشعًا في سرعة اكتساحه، بشعًا في قسوة الحمم الذي تفجر من بركانه.
كانت الثورة الفرنسية بكل ما تضمنت من ألوان العنف والبطش والقتل وإسالة الدماء..
واكتسحت الثورة الفرنسية في طريقها ما كان قد تراكم من المظالم خلال ألف وأربعمائة عام! وأزالت الطبقتين الحاكمتين الطاغيتين المتحالفتين! رجال الإقطاع "الأشراف! " ورجال الدين!
ومع ذلك فإن الأمور -في تلك الثورة- لم تسر في مسارها الطبيعي.. فعلى الرغم من كل الظلم المتراكم أكثر من ألف عام، من الإقطاعيين ورجال الدين سواء، وعلى الرغم من كل الحقد المشحون في الصدور تجاه هاتين الطبقتين، وعلى الرغم من وحشية الجماهير حين تتولى هي القيادة.
على الرغم من ذلك كله فقد كان يمكن أن تسير الثورة في تمردها وقضائها على الظالمين مسارًا آخر.. لولا أن يدا خبيثة تدخلت لتتجه بالثورة في مسار معين، يخدم أغراضها هي قبل كل شيء آخر. سواء خدم أو لم يخدم أهداف الآخرين! تلك هي يد اليهود..