ولله في خلقه شئون. وتركيبه للنفس الإنسانية على الصورة التي ركبها عليها فيه حكمة ولا شك.. ولكنا نتحدث هنا عن الواقع التاريخي ودلالاته.

إن النفوس تخضع لجبروت الطغيان خوفًا وطمعًا في أول الأمر؛ لأن الطغاة يحمون جبروتهم بشتى وسائل الحماية من ترغيب وترهيب.. ثم تتبلد النفوس من جهة، ويأخذ الطغيان صورة الأمر الواقع من جهة، فيستقر في الأرض فترة تطول أو تقصر، هي التي يتخيل الطغاة فيها أنهم باقون أبدًا، مسيطرون أبدًا، لا يمكن زحزحتهم ولا تبديل الأحوال التي مكنت لهم في الأرض.

ثم تبدأ نفوس تتململ.. هي أكثر وعيًا وأكثر حساسية أو أصلب عودا أو أكثر مخاطرة.. أو ما يكون من الأسباب.

وهنا يلجأ الطغاة إلى جبروتهم مرة أخرى، ويستخدمون وسائل الإرهاب لوقف هذه الظاهرة "المنكرة" عن الانتشار، وتأديب الخارجين لكي يكونوا عبرة للآخرين.

ثم يكون هذا ذاته هو بدء النهاية! يشتد الجبروت وتتولد مقاومة متزايدة له في داخل النفوس بمقدار ما يشتد ويمعن في الطغيان.

وفي لحظة معينة يحدث الانفجار.. ويكون كالطوفان!

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} 1.

ولقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين، وعلى الدين المزيف الذي تقدمه الكنيسة، بدأت منذ عصر النهضة. وبدأ الكتاب يتمردون على سلطان الكنيسة الطاغي ويهاجمون رجال الدين، بل يهاجمون كذلك خرافات هذا الدين الكنسي ومعمياته.

ولكنها كانت أصواتًا متناثرة، فظن القوم أنهم قادرون عليها وعلى إسكاتها.

ولكن سنة من سنن الله كانت تجري، وما يستطيع أحد أن يوقف سنة الله عن الجريان.

كانت هذه الأصوات تهز النائمين ليصحوا.. تزيل عنهم تبلد نفوسهم.. وتزيل ثقلة "الأمر الواقع" من حسهم، وتشعرهم أن التغيير ممكن، وأن هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015