حين يستعرض الإنسان هذا التاريخ الحافل بالمخازي والخطايا والأخطاء.. من طغيان روحي وفكري ومالي وسياسي وعلمي، وفساد خلقي، وانحراف فكري وسلوكي، ومساندة للظلم في جميع ألوانه، وتخذيل للمصلحين وتخدير للمظلومين، وصد عن سبيل الله، وتشويه لصورة الدين.. هل نعجب من النهاية التي وصلت الأمور إليها من انسلاخ الناس في أوروبا من ذلك الدين ونفورهم منه، وثورتهم على رجاله وإبعادهم له عن كل مجالات الحياة؟
إن الفطرة البشرية لتثور على الظلم وتمجه ولو احتملته عدة قرون!
وهذا البطء في قيام رد الفعل هو الذي يغري الطغاة بالاستمرار في طغيانهم، ظانين أن الأمور ستظل في أيديهم أبدًا، وأنها غير قابلة للتغيير.
ولكن عبرة التاريخ قائمة لمن يريد أن يعتبر.. وما يعتبر إلا أولو الألباب. أما الطغاة مطموسو البصيرة فأنى لهم أن يعتبروا؟!
{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} 1.
{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ، وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} 2.
وهذا البطء في قيام رد الفعل هو الذي أغرى كذلك بعض "العلماء" أن يقولوا إنه لا توجد فطرة للإنسان! وإن الإنسان ليس له قالب محدد. وإنما هو يصب في أي قالب يراد له فيتشكل بشكله، ويظل قابعًا فيه حتى يصب في قالب جديد3.