ومن هنا قال ماركس قولته الشهيرة: الدين أفيون الشعوب! وهي قولة صادقة كل الصدق على دين الكنيسة المحرف، ولكنها كاذبة كل الكذب حين تطلق على الدين المنزل من عند الله.
لقد كانت خطيئة الكنيسة هنا خطيئة مثلثة.
فهي أولا: لم تسع قط منذ تسلمها السلطة إلى تحكيم شريعة الله المنزلة عليهم في التوراة والإنجيل:
{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 1.
والسلطان الذي نازعت فيه الملوك والأباطرة وغلبتهم عليه فترة من الوقت كان -كما أشرنا من قبل- فرصة مهيأة لفرض شريعة الله على أولئك الملوك والأباطرة، وإزالة الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتمثل في القانون الروماني من جهة، والإقطاع من جهة أخرى.. كما فعل الإسلام في الأرض التي حررها من السيطرة الرومانية -والسيطرة الفارسية كذلك- فألغى فيها حكم الجاهلية إلغاء كاملًا، وحكم فيها شريعة الله، فعاشت في ظلال العدل الرباني عدة قرون، سواء دخل أهلها في الإسلام أو بقوا على دينهم الذي كانوا عليه قبل الفتح الإسلامي.
ولكن البابوات الذين نازعوا الأباطرة سلطانهم -وغلبوهم عليه- لم يفكروا أبدًا في تحكيم شريعة التوراة والإنجيل الواجبة التنفيذ -في إبانها- حتى ينزل الله شريعته الأخيرة فتصبح هي الواجبة التنفيذ.. إنما استخدموا سلطانهم السياسي "أو الدنيوي" كله في إخضاع الأباطرة لنفوذهم الشخصي وأهوائهم الشخصية، وأذلوهم بها أيما إذلال!
والخطيئة الثانية هي: صد أوروبا عن الإسلام حين بدأت تتفتح له عن طريق التأثير المصاحب للمبتعثين الأوروبيين العائدين من أرض الإسلام، وموقفها المتعصب الأحمق ضد الدين السماوي المنزل للبشر كافة، وتكليف كتابها بتشويه صورة هذا الدين وتشويه صورة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتصويره