يعامل الناس أمامهم على السوية، ويملك الإنسان إذا شاء أن يختصم إلى ذلك القضاء مع واليه أو رئيسه أو من يكون من خصمائه فيحكم القاضي بما يرضي ضميره هو لا بهوى السلطان.
ووجدوا شريعة حاكمة.. شريعة ليست هي هوى الإقطاعي.. إنما هي شرائع ثابتة يضبطها الكتاب الذي أنزلت به ويضبطها اجتهاد فقهاء الأمة -وهم ليسوا طرفًا في خصومة مع أحد بعينه، وليسوا حكامًا يجورون. بالسلطان- وإنما هم مجتهدون يفسرون النص القرآني ويستنبطون الأحكام منه، أو يقيسون عليه، أو يبحثون عن المصلحة "العامة" لا الخاصة فيما يجتهدون به من الأحكام.
باختصار وجدوا الإسلام..
وقد كان كل شيء وجدوه جديدًا بالمرة عليهم، فقد كان الذي يعرفونه من قبل هو ذلك الطاغوت الذي يحكمهم فيكون هو الخصم والحكم وهو المشرع والقاضي والمنفذ.. وهو الذي يتصرف فيهم بلا مراجع.. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!
كان ذلك هو الذي استجاش أوروبا لتتمرد على هذا الظلام الشامل أو الفساد الشامل الذي تعيش فيه.. وتطلب الإصلاح.
وكان الإقطاع -بكل ما يشتمل عليه من ظلم سياسي واقتصادي واجتماعي- هو الهدف الأول لمحاولات الإصلاح. وإن كان طلب الإصلاح الذي نشأ من الاحتكاك بالمسلمين شاملًا في الحقيقة كل ميادين الحياة.
عندئذ بدأت أصوات المصلحين تتتابع، ثم بدأت أنات خافتة تسمع من أفواه "الكادحين".
فكيف كان موقف الكنيسة الغارقة في الإقطاع وفي الطغيان؟!
لقد وقفت تتهدد الثائرين على الظلم، المتمردين على الطواغيت بأنهم مارقون من الدين، وأنهم ملعونون عند الله!
ووقفت تحاول تخدير الثائرين على الظلم، بأن الرضا بالظلم في الحياة الدنيا هو مفتاح الرضوان في الآخرة.. فأما العبيد الثائرون والأقنان فقالت لهم إن السيد المسيح يقول: "من خدم سيدين في الدنيا خير ممن خدم سيدًا واحدًا".. وأما المظلومون عامة فقالت لهم: إن من احتمل عذاب الدنيا فسيعوضه الله بالجنة في الآخرة.