وكان الإقطاعي بدوره يقوم "برعاية" هذه القطع الآدمية المتناثرة في أرضه!
فهو يشهد أفراح زفافهم ويستخدم -في كثير من الأحيان- حق الليلة الأولى، أي: حق الخلوة بالعروس ليلة عرسها، قبل أن يتسلمها زوجها! وبذلك يعيش هو في عرس دائم متجدد ويتسلم العبيد فضلاته!
وهو يطحن لهم غلالهم في مطحنه وهو المطحن الوحيد المصرح به في القرية، لقاء آجر يحدده هو على مزاجه، وكذلك يعصر لهم كرومهم في معصرته، ليشربوا ... وينسوا!
كما أنه يدافع عنهم ضد أي هجوم من أمير آخر -وما أكثر ما يحدث الهجوم- وذلك بتجنيدهم ودفعهم إلى القتال.. ليموتوا!
كما يفرض عليهم من الضرائب ما يرتاح إليه ضميره، وما يستريح ضميره حتى تمتلئ خزائنه، وما تمتلئ حتى تفرغ من جديد!
وهكذا تتنوع ألوان "الرعاية" التي يقدمها لهم.. له منها كل حلوة ولهم العذاب..
وحين كانوا في هذه الظلمات، احتكوا بالمسلمين، سواء الاحتكاك الحربي أو السلمي الذي استمر عدة قرون.
وجدوا عند المسلمين "دولة" منظمة، يحكمها حاكم يعاونه معاونوه ويخضع الناس لحكمه سواسية على درجة واحدة من الخضوع. وكان هذا شيئًا جديدًا عليهم، فقد كانت لديهم "دولة" نعم ولكنهم لا يتصلون بها -وأنى لهم؟ - ولا تتصل هي بهم إلا من خلال أمراء الإقطاع، وأمراء الإقطاع هم حكامهم الحقيقيون المباشرون، وليس لرئيس الدولة سلطان عليهم فيما يفعلون في إقطاعياتهم، إنما سلطانه عليهم محصور في المال الذي يطلبه منهم -فيأخذونه هم من دماء فلاحيهم، وتبقى خزائنهم الخاصة لا تمس- وفي المجندين الذين يطلبهم منهم إذا قامت الحرب -وكثيرًا ما تقوم- فيقدم الإقطاعي ما استطاع من دماء فلاحيه لكي يرضى الملك أو الإمبراطور عنه، ويدع يده مطلقة بعد ذلك يفعل بعبيده وأقنانه1 ما يشاء.
ووجدوا قضاء منظمًا.. أي: قضاة يحكمون بين الناس فيما شجر بينهم،