الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا ... " "ص28".
"يجب أن يكون الإنسان مقياسا لكل شيء، ولكن الواقع هو عكس ذلك فهو غريب في العالم الذي ابتدعه، إنه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه؛ لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته, ومن ثم فإن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية.. فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا.. إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقيا وعقليا.. إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم هي على وجه الدقة الجماعات والأمم الآخذة في الضعف، والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من غيرها إليها.. ولكنها لا تدرك ذلك، إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها.. وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات التي سبقتها أوجدت أحوالا معينة للحياة من شأنها أن تجعل الحياة نفسها مستحيلة، وذلك لأسباب لا تزال غامضة.. إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... " "ص44".
"الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة، وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري.. ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في حسه وشعوره.. وعرفنا أنه لا يستطيع تكييف نفسه بالنسبة للبيئة التي خلقتها "التكنولوجيا" وأن مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله، وأن العلم والميكانيكا ليسا مسئولين عن حالته الراهنة، وإنما نحن المسئولون؛ لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع ... لقد نقضنا قوانين الطبيعة1, فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى، الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائما.. إن مبادئ "الدين العلمي" والآداب الصناعية" قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة "البيولوجية" فالحياة لا تعطي إلا إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد "الأرض المحرمة".. تضعف السائل! ولهذا فإن الحضارة آخذة في الانهيار ... "ص322"2.