هائج في الليل يبحث عن المتاع الحسي الغليظ، ويبحث عنه أحيانا في تبذل يتعفف عنه بعض أنواع الحيوان!
وتلك نهاية طبيعية لبعد الناس عن الدين، وهي تجربة مكرورة في تاريخ البشرية وإن ظنت الجاهلية المعاصرة أنها تجربة "رائدة" تخوضها البشرية لأول مرة؛ لأنهم -في جهالتهم "العلمية"- لا يقرءون التاريخ، أو لا يحبون أن يأخذوا العبرة من التاريخ!
{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} 1.
ثم إن الإنسان عابد بطبعه كما بينا في الفصول السابقة من الكتاب فلا تستطيع أن تحول الإنسان من العبادة إلى "اللاعبادة". إنما تستطيع أن تحوله من نوع من العبادة إلى نوع آخر، وليس الخيار -كما خيل للجاهلية المعاصرة- بين العبادة وعدم العبادة، إنما الخيار فقط في المعبود ... هل يكون هو الله جل جلاله أم يكون شيئا آخر غير الله.
الخيار -بالتعبير القرآني الحاسم- هو بين عبادة الله وعبادة الشيطان.
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 2.
وصراط الله المستقيم واحد، ولكن سبل الشيطان كثيرة متعددة:
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 3.
والمعبودات في الجاهلية المعاصرة شتى، والسبل إليها متعددة، من عبادة "الدولار" إلى عبادة الهوى والشهوات، مرورا "بالإنتاج" و"المصالح القومية" و"العلم" و"العقل" و"التقدم" و"التطور" و"الحرية الشخصية" و"الطبيعة" و"الإنسانية" ... ولكل معبود من هذه المعبودات تكاليفه والتزاماته التي ينبغي أن تطاع..
فأين يذهب الإنسان حين يخرج من الدين، أي: من عبادة الله؟