تفزع أوروبا من الدين كما يفزع الملدوغ من الحبل.. ولو كان بالنسبة إليه حبل النجاة!
وأوروبا تسيطر اليوم بقوتها السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية على العالم كله، وتجر البشرية معها إلى الهاوية بسبب ذلك الموقف الأحمق المفزع من الدين!
ولقد زعمت الجاهلية المعاصرة في أول أمرها في عصر النهضة أنها تستطيع أن تدير ظهرها للدين ثم تظل تمارس الحياة بصورة طبيعية لا يعتورها نقص ولا اختلال. بل زعمت أنها حين تتخلص من الدين فستعالج ما كان في حياتها من نقص واختلال! ولقد كانت ظروفها كما بينا من قبل تؤدي بها إلى الانسلاخ من ذلك الدين الذي يعكر صفو الحياة، ويعطل دفعتها، وينشر الجهالة، ويحجر على الفكر ويحجب عن البشرية النور.
وحين بدأت أوروبا تنسلخ من دينها لم يكن في مقدورها أن تنسلخ دفعة واحدة من "القيم" التي كانت تصاحب ذلك الدين، وربما لم يكن ذلك في نيتها في مبدأ الأمر.
فراح القوم -مخلصين فيما نحسب- يبحثون عن مصدر آخر للقيم التي لا يمكن أن تعيش بدونها البشرية.
ولكن التجربة العلمية أثبتت أنه لا يوجد مصدر حقيقي للقيم غير الدين! قالوا العقل.. وقالوا الطبيعة.. وقالوا النفس البشرية ... وقالوا العلم.. وقالوا الفلسفة ... وقالوا كل ما يخطر في بالهم، ثم خرجوا من ذلك كله بما وصلوا إليه آخر الأمر: القلق والجنون والضياع والحيرة والأمراض النفسية والعصبية والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة والانحلال والمسخ الذي يشوه الفطرة.. والهبوط الخلقي والفكري والروحي في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والدول كلها على السواء! وتحول الإنسان إلى آلة للإنتاج المادي في صباحه، وحيوان