"وأين علم الأجنة ليرى أن "البيئة الناشئة" تحل محل "الوراثة" التي كانت إله العلم1؟ وأين "جريجوري" و"مندل" الآن ليشهدا انصراف علماء الوراثة عن "وحدة الصفات"؟ وأين "داروين" الهدام الدقيق ليرى كيف حلت طريقة "التغيرات السريعة" محل "الاختلافات الذاتية والمتصلة" في التطور؟ وهل هذه التغيرات هي الثمرة المشروعة لاختلاط الهجائن؟ وهل نضطر إلى الرجوع في تفسيرنا للتطور إلى الوراء عند نظرية "انتقال الصفات المكتسبة"؟ أنجد أنفسنا وقد عدنا مرة أخرى أكثر من قرن إلى الماضي نعانق رقبة زرافة "لامارك"؟
"وماذا نصنع اليوم بمعمل "الأستاذ فونط "Wundt" وباختبارات "استانلي هول" حين لا يستطيع أي عالم نفساني منا أتباع السلوكيين أن يكتب صحيفة واحدة في علم النفس الحديث دون أن يلقي بمخلفات أسلافه في الهواء؟ ".
"وأين علم التاريخ الحديث اليوم حيث يضع كل عالم في تاريخ قدماء المصريين كشفا بالأسرات وتواريخها على هواه، ولا يختلف عن كشوف غيره إلى ببضعة آلاف من السنين؟! وحيث يسخر علماء الأجناس من "تيلور" و"وستر مارك" و"سبنسر"؟ وحيث يجهل "فريزر" كل شيء عن "الدين البدائي" لأنه قد رحل إلى العالم الآخر؟.
فماذا أصاب علومنا؟ هل فقدت فجأة قداستها وما فيها من حقائق أزلية؟ أيمكن أن تكون "قوانين "الطبيعة" ليست سوى فروض إنسانية؟ ألم يعد هناك يقين أو استقرار في العلم؟ "2.
وعن "حقيقة" المادة يقول:
"وأول شيء نكشفه هو أن المادة القديمة غير المتحركة التي وصفتها طبيعيات القرن التاسع عشر قد ذهبت. وكانت "مادة" تندال وهكسلي غير فاسدة. فهي تقعد وتنام أنى وضعتها، كذلك الصبي البدين في قصة "أوراق بكويك"3 وهي تقاوم بكل ما فيها من وقار الحجم والثقل كل جهد لتحريكها، أو لتغيير وجهة حركتها متى أخذت في الحركة، وبين "برجسون" في يسر شديد أن مادة