ونكتفي بالتعرض لنقطة واحدة مما جاء في التواءات الجاهليين المعاصرين في شأن الدين، أو في شأن الإلحاد.
تلك هي قولة جوليان هكسلي في كتابه "الإنسان في العالم الحديث Man in the Modren World" إن الإنسان قد خضع لله بسبب عجزه وجهله. والآن وقد تعلم وسيطر على البيئة فقد آن له أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عصر الجهل والعجز على عاتق الله، ومن ثم يصبح هو الله.
نعوذ بالله.
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.
نفترض جدلا أن العجز والجهل -وحدهما- هما سبب خضوع الإنسان لله في صورة دين وعقيدة وعبادة ... فما الذي تغير في حياة الإنسان المعاصر ليخرجه من الخضوع لله؟!
تلك القشور من العلم التي وصل إليها، وهذا القدر الضئيل من السيطرة على "البيئة"؟!
فأما العلم فندع "ول ديورانت" الفيلسوف المعاصر يتحدث عنه في كتاب "مباهج الفلسفة":
"ما طبيعة العالم؟ ما مادته وما صورته؟ وما مكوناته وهيكله؟ وما مواده الأولى وقوانينه؟ وما المادة في كيفها الباطن وفي جوهر وجودها الغامض؟ وما العقل؟ أهو على الدوام متميز عن المادة وذو سلطان عليها؟ أم هو أحد مشتقات المادة وعبد لها؟ أيكون كلا العالمين: الخارجي الذي ندركه بالحس والباطني الذي نحسه في الشعور، عرضة لقوانين ميكانيكية أو حتمية كما قال الشاعر "ما يكتبه الخالق في مطلع النهار نقرؤه في آخر النهار"؟ أم ثمة في المادة، أو في العقل، أو في كليهما، عنصر من الاتفاق والتلقائية والحرية؟.. هذه أسئلة يسألها قلة من الناس.. ويجيب عليها جميع الناس، وهي منابع فلسفاتنا الأخيرة، التي يجب أن يعتمد عليها في نهاية الأمر كل شيء آخر. وفي نظام متماسك من الفكر.. إننا نؤثر معرفة الإجابات عن هذه الأسئلة على امتلاك سائر خيرات الأرض.