أربابا مع الله أو من دون الله، ويسوقون الناس إلى الشرك في نهاية المطاف، فالوحي الرباني يجند النفوس المؤمنة لجهادهم وإجلائهم من الأرض على أساس من إخلاص العبادة لله، ذلك الإخلاص الذي يتضمن الاعتقاد اليقيني في القلب بوحدانية الله، والتوجه بالشعائر التعبدية لله وحده، وتحكيم شريعة الله وحدها، ورفض أي شريعة أخرى لم يأذن بها الله.

وبهذه الوسائل كلها مجتمعة تفيء الفطرة إلى سوائها، وتعود إلى صفائها، ويصبح الإنسان في أحسن تقويم.

ولقد كانت "مؤهلات" الشرك كلها قائمة في الجاهلية المعاصرة منذ "النهضة الأوروبية" إلى اليوم، مما ران على القلوب من غفلة، ومن الهبوط الذي يعطل أجهزة الإيمان بما لا تدركه الحواس، ومن الهبوط الخلقي واتباع الشهوات. ومن تحكيم غير شريعة الله.

ولكن لأمر ما لم تؤد هذه "المؤهلات" بأوروبا إلى الشرك -كما كان شأنها في الجاهليات السابقة- ولكنها أدت بها إلى الإلحاد!

ولا بد من وقفة لدراسة هذا الأمر الذي لا مثيل له من قبل في كل جاهليات التاريخ.

الكنيسة الأوروبية -بحماقاتها- هي المسئول الأول عن ذلك ولا شك.

فهذه الحماقات هي التي أدت إلى جعل العلم بديلا من الدين، وجعل السبب الظاهر بديلا من السبب الحقيقي، وجعل الطبيعة بديلا من الله.

فالعلم - في وضعه الطبيعي- ليس بديلا من الدين، إنما هو نافذة من نوافذ المعرفة التي تؤدي في النهاية إلى المعرفة الحقة بالله، ومن ثم إلى إخلاص العبادة لله، حين يدرك العقل البشري عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التي تحير الألباب:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1.

وحين قالت أوروبا إن الدين قد أخلى مكانه للعلم وإن العلم هو البديل من الدين، لم تكن تتحدث عن حقيقة موضوعية ولا حقيقة مطلقة.. إنما كانت تتحدث عن "واقع" حدث في أوروبا بسبب حماقة الكنيسة حين حاربت العلم والعلماء، وخيرتهم بين اتباع الخرافة للمحافظة على "الدين" -دينها الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015