طريق الروح، فيعمق كل منهما الآخر فيصل إلى درجة اليقين.
فإذا طال على البشرية الأمد يحدث "هبوط" في كيان الإنسان، يعطل أجهزة الإدراك المعنوي تعطيلا جزئيا أو كاملا، وتبقى أجهزة الإدراك الحسي هي التي تعمل، وعلى قدر الهبوط يكون نوع الشرك ودرجته، فيظل صاحبه مؤمنا بالله ويشرك به آلهة محسوسة، أو يؤمن بالآلهة المحسوسة وحدها من دون الله.
وصحيح أن البشرية في حالة هبوطها تجنح إلى ثقلة الأرض فتشدها الشهوات إلى أسفل، فتتفلت من تكاليف الدين والتزاماته، تتفلت من "قيد الإنسان" الذي تصاحبه "حرية الإنسان" وتجنح إلى "حرية الحيوان" التي تصاحبها قيود الحيوان1 ولكنها -في مبدأ أمرها على الأقل- تحب أن تسند هذا التفلت بأمر شرعي!
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} 2.
ورويدا رويدا تحتاج إلى اختراع آلهة تسند إليها ذلك التفلت، من البشر أو غير البشر، تتخذ أربابا مع الله أو من دون الله:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 3.
وصحيح أن الطغاة في الأرض يضيقون بالقيد الرباني الذي يجعلهم عبيدا لله ككل العبيد، خاضعين لأمره منفذين لشريعته، ويريدون أن يكون لهم السلطان الطاغي في الأرض، ويريدون أن يكون الولاء لهم لا لله، فيضيقون دائما بديانة التوحيد، وبإخلاص العبادة لله وحده، فيفرضون أنفسهم بالقوة الغاشمة وبالإرهاب أربابا من دون الله أو مع الله، هم الذين يشرعون، وهم الذين يفرضون التشريع، وهم الذين يعاقبون "عبيدهم" إذا خرجوا على ذلك التشريع.
وفي هذه الحالات كلها يقع الشرك الذي تجنح إليه البشرية كلما ضلت الطريق، ولكنها في كل حالاتها السابقة لم تكن تنكر وجود الله.
وحتى فرعون حين قال لموسى عليه السلام {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4.