وحين قال لهامان: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} 1.

وحين قال لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} 2.

وحين قال لهم: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} 3.

لم يكن ينكر وجود إله خالق لهذا الكون، ولم يكن يقصد أنه هو الإله الخالق، والدليل على ذلك قول الملأ من قومه له:

{أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ} 3.

فقد كان له إله يعبده، هو الذي يؤمن بأنه خالق السموات والأرض وخالق الكون كله4, وعلى الرغم من أنه -كما سجلت الآثار الفرعونية- كان يدعى "الإله ابن الإله" وكانت تقدم له شعائر التعبد من ركوع وسجود كما كانت تقدم لقيصر وكسرى، إلا أن ألوهيته وبنوته للإله الأكبر كانت في حسه كما هي في حس "الجماهير" من قومه ألوهية مجازية لا حقيقية. وكان يقصد من أقواله لموسى وهامان ولقومه أمرين في آن واحد: الأمر الأول أن الإله الذي يتحدث عنه موسى، ويقول إنه مرسل من عنده، ويعطي نفسه بناء على ذلك سلطانا يأمر به فرعون وينهاه، ويطلب منه أن يطلق سراح بني إسرائيل، هذا الإله لا وجود له، وموسى كاذب في دعواه بوجوده، وبإرساله من عنده، إنما الإله الموجود حقيقة هو الإله الذي يعبده هو وقومه، وينحتون له التماثيل ويرسمون له الرسوم، الإله المحسوس الذي تعبده الجاهلية هبوطا منها عن الإيمان بما لا تدركه الحواس، والأمر الثاني -وهو مشتق من الأول- أنه يقول لقومه خاصة: ما علمت لكم من سلطة تأمر فتطاع إلا سلطتي، فأطيعوني ولا تطيعوا ذلك الخارج عن سلطاني، والذي يزعم أنه صاحب الكلمة التي ينبغي أن تطاع.

وحتى النمرود حين حاج إبراهيم في ربه؛ لأنه يرى نفسه ملكا ذا سلطان وإبراهيم فرد من أفراد "الشعب" لا يحق له أن يناقش صاحب السلطان ولا يأمره ولا ينهاه.. لم يكن يعتقد أنه هو الإله الخالق، إنما كان يصدر عن كبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015