ويهتدي فيعرف أن الله الحق علام الغيوب، أو يضل فيظنه كائنا آخر.

ولكنه يعلم دائما أن أسرار الغيب مكشوفة للكائن العلوي الذي يخلق ويبدع وينتهي إليه مصير كل شيء.. فيعبده لونا من العبادة، ويلتزم نحوه بلون من السلوك.

تلك بعض منافذ الفطرة التي تتلقى إيقاعات الكون والحياة، فتستيقظ من غفلتها إن كانت غافلة، فتروح تبحث عن الله سواء اهتدت إلى الله الحق أم ضلت في الطريق.

لذلك فإن الفطرة دائما تعرف وجود الله، وتؤمن به في داخل أعماقها، وإن ضلت عن الهدى فتصورت الله على غير حقيقته أو أشركت به آلهة مزعومة ليس لها وجود.

أما أن تنكر الفطرة وجود الله أصلا، وتقول إن الخلق قد وجد بلا خالق.. فبدعة في الضلال غير مسبوقة في التاريخ.

صحيح أن الحس البشري بحكم الإلف أو العادة يتبلد..

يتبلد على المنظر المكرور فلا يعود يهزه كما هزه أول مرة. ويتبلد على المعنى المكرور أو الحدث المكرور فلا يعود يستجيش مشاعره كما استجاشها أول مرة، فيعيش في وسط الآيات غافلا عن دلالتها ويموت قلبه فلا يتحرك لمعنى الألوهية كما ينبغي له أن يتحرك.. فيعيش كما تعيش السائمة:

{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.

وصحيح أن البشرية حين يطول عليها الأمد "تتعب" من الإيمان بما لا تدركه الحواس، وتتجه إلى المحسوس، فتنشئ آلهة محسوسة تعبدها من دون الله أو تعبدها مع الله، في صورة أوثان وأصنام، أو في صورة بشر، أو في صورة أفلاك.. وذلك لأن الإيمان بما لا تدركه الحواس يستلزم أن يكون الإنسان في وضعه الطبيعي -أو الفطري- كما خلقه الله، تعمل كل أجهزته في وقت واحد، فتعمل أجهزة الإدراك الحسي جنبا إلى جنب مع أجهزة الإيمان المعنوي أو الإيمان بما لا تدركه الحواس، عملا فطريا طبيعيا متناسقا ينتج عنه الإيمان بالله عن طريق رؤية آياته في الكون، والإيمان به إيمانا مباشرا عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015