يريد الإنسان أن "يطمئن" على حياته.
كم سيعيش؟
هل يسلم من الأحداث؟
هل يستمتع بالقوة والصحة والنشاط والحيوية فيما قدر له من العمر؟
هل يحقق أحلامه؟ يتزوج ويسعد ويحصل على الثروة والجاه.. أو يكون بطلا مجاهدا.. أو يكون زعيما قائدا.. أو..
ماذا يكسب غدا؟
بأي أرض يموت؟
عشرات من التساؤلات ومئات.. يريد أن يعرفها "ليطمئن"..
ويروح يستكنه الغيب فلا يقدر..
لا غيب السنوات القادمة ولا الشهور ولا الأيام، بل غيب الساعات القليلة القادمة.. بل غيب اللحظة المقدمة عليه. التي دخل أولها من الباب وما زال آخرها محجوبا بحجاب!
كيف يقدر والغيب وراء الأستار؟!
هل تنزاح الأستار؟!
يمضي الإنسان -في جاهليته- نحو الكاهن والعراف، يستلهمه أمر الغيب، ويتعلق بكل كلمة تخرج من شفتيه كأنها أسرار الغيب الحقيقي.. ولكن.. هل يستيقن؟ هل "يطمئن"؟
وحين يهتدي يعرف أن الكاهن والعراف والمنجم وضارب الرمل والشياطين والجن كلهم محجوبون مثله عن الغيب، فيكف عن طلب الغيب منهم، ولكن هل تغادره الرغبة في أن يعلم سر الغيب ويطمئن على نفسه ومن يحبهم من حوله ويخاف عليهم؟
يروح يستلهم حسه الباطن.. ويستلهم الرؤى.. ويستلهم تلك القوة الخفية في نفسه التي تقدر على الاستشفاف.. ولكن هل يستيقن؟ هل "يطمئن"؟.
كلا! إنه يشعر بالعجز الكامل عن النفاذ وراء الأستار، ويظل الغيب المحجوب ملفعا بالحجاب..
عندئذ يتحول الحس إلى الكائن الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض؛ لأنه هو العليم بكل شيء، وهو خالق الأحداث والأشياء وكل شيء سائر بمشيئته وحده لا بمشيئة أحد سواه.